الرؤساء الثلاثة: لإلزاميّة الإنسحاب والبيان الوزاري ينصّ على حصريّة السلاح للدولة
في 18 شباط الموعد النهائي لانسحاب الجيش الاسرائيلي من القرى التي دخلها بعد وقف النار في 27 ت2 2024، سجل الاحتلال خطوة عدائية ببقائه في 5 نقاط استراتيجية تشرف على القطاع الشرقي، وبعض القطاع الاوسط بالمراقبة واطلاق النار، فجاء الرد اللبناني واحداً موحداً: عدم إكمال الانسحاب يعني احتلالاً، والاحتلال يُزال بالوسائل كافة من الضغوط الدبلوماسية الى الضغوط غير الدبلوماسية.
الردّ اللبناني خضع لمنهجية عمل جديدة: اجتماع رئاسي ثلاثي في بعبدا، يصدر عن موقف رسمي واحد، يتضمن نقطتين بارزتين: الاولى تتعلق باعتبار عدم الانسحاب احتلالاً، والثانية استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية المتاحة. واعلن اللقاء الثلاثي التوجه الى مجلس الامن الدولي للمطالبة بالزام اسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية.
ورأت مصادر سياسية مطلعة أن الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا عكس في الشكل والمضمون وحدة الموقف حيال التأكيد على الأنسحاب الإسرائيلي الكامل ودعم انتشار الجيش، متوافقا مع مضمون البيان الوزاري.
وأكدت هذه المصادر أن هذا الاجتماع كرس تعاطيا جديدا في الشؤون الاستراتيجية الكبرى، فعوضاً عن تجزئة المواقف من المقرات الرسمية كان الموقف الواحد ومن خلال بيان صادر عنهم.
وفند البيان هذا الموقف وفق المصادر نفسها التي قالت إن ما ورد لجهة التأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لإنسحاب العدو الإسرائيلي يعني اللجوء إلى الوسائل الديبلوماسية المشروعة. ورأت أنه بالنسبة إلى البعض تحتمل هذه النقطة التأويل إنما المقصود منها الوسائل المتاحة بالأطر القانونية والمشروعة.
ووراء الأزمة التي يصر الاحتلال على ابقائها مفتوحة عدم الالتزام بوقف الخروقات، ولا حتى اطلاق الاسرى الـ7 من اللبنانيين عند جيش الاحتلال.
وواكب الجيش اللبناني عودة الجنوبيين الى يارون ومارون الراس وميس الجبل وكفركلا وبرج الملوك والوزاني، بعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي، الا من نقاط 5 حدودية، تركها كبؤر امنية وقنابل موقوتة. وجال الاهالي يتفقدون ويبحثون عن احبائهم الشهداء، وسط احياء اختفت بالكامل.
اذاً، انتهى احتلال جيش العدو الاسرائيلي لقرى الجنوب الحدودية بنسبة كبيرة لكن العدو حافظ على احتلال النقاط الخمس التي سبق واعلن انه لن يتخلى عنها، اضافة الى بقائه في بعض النقاط مثل المنطقة بين مركبا وحولا التي استحدث موقعا عسكرياً، لكنه قال إنه سينسحب منها لاحقاً.
ومنع الاحتلال الجيش اللبناني من استكمال انتشاره في منطقة الحدب واطراف عيتا الشعب.
الحكومة والثقة
سياسياً تتجه الانظار الى جلسة الثقة النيابية بالحكومة بعدما حدد رئيس المجلس موعداً لها يومي الثلاثاء والاربعاء الواقعين بتاريخ 25 و 26 شباط 2025 وذلك لمناقشة البيان الوزاري والإقتراع على الثقة.
تشييع نصرالله
وتتجه الانظار الى تشييع الامينين العامين لحزب الله السابقين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين الاحد في 23 الجاري.
ويشارك وفد ايراني عالي المستوى يمثّل الحكومة والمجلس وجميع الاجهزة في مراسيم تشييع السيد نصر الله، حسبما نقلت وكالة “ايرنا” عن وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي.
ومن الاجراءات التي توقفت عندها الاوساط المتابعة، تحذير السفارة الاميركية في لبنان رعاياها من سلوك طريق بئر حسن والجنوب وطريق مطار رفيق الحريري الدولي، يوم الاحد المقبل بالتزامن مع تشييع الامين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله.
الانسحاب المنقوص
وكانت مهلة الانسحاب الاسرائيلي المفترض ان يكون كاملا لكنه اتى منقوصاً قد انتهت الثلاثاء، واندفع الجيش اللبناني الى القرى التي اخلاها جيش العدو وهي: يارون، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، حولا، مركبا، العديسة، كفركلا والوزاني، تاركة خلفها حجما كبيراً من الدمار والتخريب غير المبرر للمنشآت والمنازل والبنى التحتية، فيما أبقت على وجودها في خمس نقاط رئيسية على طول الحدود.ومع دخول الجيش إلى هذه القرى، استمر توافد الأهالي لتفقد منازلهم وأرزاقهم.
واعلنت قيادة الجيش في بيان: بتاريخَي 17و18 /2 /2025، انتشرت وحدات عسكرية في البلدات التالية: العباسية، المجيدية، كفركلا مرجعيون في القطاع الشرقي. العديسة، مركبا، حولا، ميس الجبل، بليدا، محيبيب مرجعيون في القطاع الأوسط. مارون الراس والجزء المتبقي من يارون بنت جبيل في القطاع الأوسط.
اضافت: “كما انتشرت في مواقع حدودية أخرى في منطقة جنوب الليطاني، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل، وذلك بعد انسحاب العدو الإسرائيلي. وقد باشرت الوحدات المختصة بإجراء المسح الهندسي وفتح الطرق ومعالجة الذخائر غير المنفجرة والأجسام المشبوهة في هذه المناطق، لذا تؤكد قيادة الجيش ضرورة التزام المواطنين بتوجيهات الوحدات العسكرية المنتشرة في المناطق الجنوبية، إفساحًا في المجال لإنهاء الأعمال المذكورة في أسرع وقت ممكن، وحفاظًا على أرواحهم وسلامتهم”.
وسقط جريحان من الاهالي برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي، خلال عمليات التمشيط من مركز المنارة في اتجاه منطقة كركزان شمال شرق بلدة ميس الجبل. و قطعت قوات الاحتلال طريق عديسة كفركلا.
ودخل عدد كبير من أهالي بلدة الوزاني الى بلدتهم سيرا على الاقدام. كما دخل أهالي ميس الجبل منذ ساعات الصباح الباكر، الى بلدتهم سيرا على الأقدام وعبر الدراجات النارية، بعد انسحاب العدو منها وانتشار الجيش اللبناني فيها ليلا. يذكر ان الجيش ما زال حتى الآن يغلق المدخل الغربي للبلدة بآلياته.كذلك اندفع اهالي كفركلا الى بلدتهم لتفقد منازلهم وممتلكاتهم. وتوجه موكب مشترك من الجيش اللبناني واليونيفيل والصليب الأحمر اللبناني نحو سهل المجيدية بعد انسحاب القوات الاسرائيلية. كذلك، تجمع أهالي حولا عند مدخل البلدة، بانتظار إذن الجيش لدخولها. كما باشرت جرافات الجيش و»اليونيفيل» بفتح الطرق في كفركلا للوصول الى داخل البلدة.
وبعدما دخل الجيش اللبناني الى البلدات التي أخلاها الجيش الاسرائيلي في الجنوب، قام عنصر من الجيش اللبناني بنزع العلم الاسرائيلي الذي كان مرفوعاً على أحد أعمدة الكهرباء في ميس الجبل. ورمى الجندي العلم الاسرائيلي على الارض وداسه بقدمه.
وتم فتح طريق وادي السلوقي – خلف قلعة دوبيه – باتجاه مستشفى ميس الجبل الحكومي وبلدة ميس الجبل وهي سالكة للسيارات. لكن قوات الاحتلال استحدثت موقعاً على طريق مركبا – حولا وقطعت الطريق ولم تنسحب من المنطقة.
وواجه عدد من أهالي وسكان القرى والبلدات اللبنانية الحدودية التي انسحب منها العدو الاسرائيلي صعوبة في الوصول الى ما تبقى من منازل، بسبب عمليات تفجير المنازل والتجريف والتخريب للطرقات الفرعية والعامة وتدمير معظم المرافق العامة وتغيير معالم البلدات.
وقبل انسحابه من المنطقة، استهدف قصف مدفعي اسرائيلي معادٍ محلة الحافور في أطراف كفرشوبا بالقطاع الشرقي للجنوب ثم نفذ الاحتلال تفجيراً كبيرا في خراج البلدة وهو الثاني في اقل من ٧٢ ساعة. والقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قنبلة على تجمع الصحافيين والأهالي في كفرشوبا. كما قصفت مسيرة معادية منطقة قريبة من مواطنين في خلة المحافر في عديسة.
واعلن جيش الاحتلال الاسرائيلي على لسان المتحدث العسكري ناداف شوشاني: “بناءً على الوضع الراهن، سنترك قوات محدودة منتشرة مؤقتاً في 5 نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان، بحيث نواصل الدفاع عن سكاننا ونتأكل من عدم وجود تهديد فوري”، مضيفاً: “انه اجراء مؤقت حتى تصبح القوات المسلحة اللبنانية قادرة على تطبيق هذا القرار. يجب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان كاملا وعلى دولة لبنان ضمان ذلك”.
وزعم وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن “أنشطة الجيش الإسرائيلي الإنفاذية ضد حزب الله ستستمر بكامل قوتها وسنبقى في 5 مواقع بجنوب لبنان لحماية المستوطنات بالشمال. وإسرائيل لن تسمح بالعودة إلى واقع السابع من أكتوبر”، في إشارة إلى ما قبل هجوم حماس في تشرين الأول من العام 2023، حيث كان حزب الله منتشرا بقواعده وسلاحه في المناطق الجنوبية.
البيان الوزاري
فيما تناقش الحكومة بيانها الوزاري، علم أنها أسقطت الإشارة إلى دور المقاومة في الدفاع عن البلد، في رسالة واضحة تؤكد أن لبنان الجديد يؤسس لمرحلة ما بعد حزب الله، ويقطع الطريق أمام أيّ شكل من أشكال الوجود الإيراني من بوابة السلاح أو التمويلات، في مرحلة لم تعد تسمح بأدوار للاعبين مثل إيران.
وجاء البيان الحكومي بعيدا عن لهجة معتادة في السنوات الماضية كان ينظر إليها على أنها تضفي شرعية على دور حزب الله في الدفاع عن لبنان بإشراك لفظة المقاومة في كل البيانات ورهن لبنان لما تقوم به وتشريع كل أنشطتها ودورها بشكل يجعلها فوق الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية والجيش والحكومة.
وجاء البيان واضحا وقاطعا بالحديث عن أن لبنان “دولة تملك قرار الحرب والسلام”، مؤكدا “حق الدولة اللبنانية في ممارسة كامل سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة”.
وتاتي محاصرة حزب الله كرسالة واضحة إلى إيران، تشير إلى أنه لم يعد مسموحا لها بتهريب الأسلحة والأموال والمقاتلين. كما أن البيان في لهجته هذه، موجه إلى حزب الله الذي سبق أن احتكر القرار اللبناني، وهو وحده من كان يقرر مدى تبدأ الحرب ويحدد مبرراتها السياسية، التي هي مبررات الحزب وإيران، وليست مبررات لبنان ومصالحه الوطنية والإقليمية.
ويعبر الخطاب الذي تضمنه البيان الوزاري عن توجه لبناني عام يريد أن يتصرف لبنان وفق مصالحه ويفكر في شعبه قبل أن يفكر في “إسناد غزة” أو في تنزيل أجندة إيران وإظهار قدرتها على الضغط وإرباك إسرائيل أو الولايات المتحدة.
وهذا توجه منطقي بعد أن وجد اللبنانيون أن الحرب الأخيرة لا تمثلهم وجلبت لهم الدمار وضاعفت من أزماتهم الاقتصادية والمالية بدل البحث عن حلول لها ببناء الثقة مع المحيط الإقليمي والدولي.
كما رفعت الحكومة يد حزب الله عن الملف السوري وورقة اللاجئين التي كان الحزب يضغط بها على السياسيين. وقال البيان الحكومي: “ترى الحكومة أننا أمام فرصة لبدء حوار جاد مع الجمهورية العربية السورية يهدف إلى احترام سيادة البلدين واستقلالهما وضبط الحدود من الجهتين وترسيمها، والعمل على حل قضية النازحين السوريين، والتي لها تداعيات وجودية على لبنان”.
ذكر البيان الوزاري أن الحكومة اللبنانية ستتفاوض على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي وأنها تعمل على معالجة التعثر المالي والمديونية العامة. وأضاف أن الحكومة “ستعمل من أجل النهوض بالاقتصاد الذي لا يقوم دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من تسيير العجلة الاقتصادية. وستحظى الودائع بأولوية من حيث الاهتمام من خلال وضع خطة متكاملة وفق أفضل المعايير الدولية للحفاظ على حقوق المودعين”.