من الصعب معرفة ما ستؤول إليه الحرب في قطاع غزة، لكن المستقبل شاحب، في حين تتصاعد أصوات في تل أبيب تطالب بإعادة احتلال القطاع، أو الاستيطان فيه، أو إنشاء مناطق عازلة. وبالأمس سمعنا عن تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق جغرافية. وجاءت تصريحات العميد إسحق كوهين لتزيد الطين بلّة، حيث أعلن أنّ القوات البرّية الإسرائيلية تقترب من “الإخلاء الكامل” لشمال غزة ولن يُسمح للسكان بالعودة إلى ديارهم، في ما يبدو أنه أوّل اعتراف رسمي من إسرائيل بأنّها تريد ترحيل الفلسطينيين بشكل منهجي من المنطقة.
وبات الهدف واضحاً، وهو إلغاء عناصر الحياة في شمال قطاع غزة. وتعزو إسرائيل هذا الأمر إلى أنّ قوات الاحتلال “أُجبرت على دخول بعض المناطق مرّتين، مثل مخيّم جباليا”، فما إن تخرج من منطقة سيطرت عليها واعتبرتها آمنة من الناحية العسكرية، حتى يعود مقاتلو “حماس” إلى المنطقة ذاتها، لإقامة مراكز عسكرية من جديد.
والإشارة الأخرى على خطورة ما يحدث في شمال القطاع، هي أنّ إسرائيل سمحت بدخول المساعدات بانتظام إلى جنوب القطاع، وليس إلى شماله، حيث “لم يعد هناك مدنيون متبقّون” – على حد تعبير القائد الإسرائيلي.
وهذه التصريحات التي توحي بإخراج السكان القسري من ديارهم، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية، بحجة أنهم “لم يعودوا موجودين هناك” تناقض جميع الأعراف الدوليّة والإنسانيّة والأخلاقية أيضاً.
وفي الأسبوع الماضي، أكد كوهين أيضًا أن شمال غزة انقسم الآن مرة أخرى، لفصل مدينة غزة عن الشمال الأكثر ريفيّة.
وعن إعادة توطين غزة أو إعادة احتلالها بشكل دائم، أوضح أنها ليست سياسة إسرائيلية رسمية، لكن كبار المسؤولين الدفاعيين الإسرائيليين أخبروا صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مؤخرًا أنه في غياب أي بدائل أخرى على الطاولة، تهدف الحكومة إلى ضم أجزاء كبيرة من المنطقة.
وفي غياب القدرة الدولية على كبح جماح إسرائيل، وتاريخها الطويل في عدم الامتثال للقرارات والقوانين الدولية، ما الذي يمنع أن نكون أمام سيناريو خطير جدّاً؟ وماذا لو نجحت تجربة إخلاء شمال غزة من السكان، ومن مقاتلي “حماس” في وقت واحد، للاستفراد بهذه المنطقة وتحويلها إمّا إلى منطقة أشباح، وإمّا إلى مقاطعة يستولي عليها المستوطنون ويحوّلونها إلى شوكة أخرى في خاصرة أيّ حلّ سلمي يمكن أن يلوح في الأفق.
نحن الآن في مرحلة فراغ، ولسنا نعرف ماذا سيفعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومدى قدرته على إلزام نتنياهو بالحلول السلميّة. وليس علينا أن نراهن على “سلّة فارغة”، أو على ماذا سيكون فيها إذا امتلأت.
ومن حقّ اللبنانيين، مسؤولين وغير مسؤولين، أن يخافوا من سلوك غير محسوب، في ظل التصريحات المتناقضة عن احتمال وقف الحرب في الجنوب، فما قاله دايفيد شينكر بالأمس، لا يرمز إلى التفاؤل، ومثله تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتز الذي قال: “لن يكون هناك أي وقف لإطلاق النار أو هدنة في لبنان. سنواصل ضرب “حزب الله” بكل قوة حتى تحقيق أهداف الحرب. لن توافق إسرائيل على أي تسوية لا تضمن حقها في إنفاذ ومكافحة الإرهاب بنفسها، وتحقيق أهداف الحرب في لبنان، بنزع سلاح “حزب الله” ودفعه للانسحاب إلى ما بعد نهر الليطاني، وعودة سكان الشمال بسلام إلى بيوتهم”. وعن إيران قال: “الأولوية لدى الحكومة واضحة جدًا وهي مسألة إيران – منع إيران من امتلاك سلاح نووي”.
هل نحن في بداية الحرب إذن أم في نهايتها؟ وما هي الآفاق المفتوحة لنا؟ وماذا عن ثلاثين قرية لبنان على قريبة من الحدود التي سويت بالارض؟ فهل ستكون منطقة عازلة منزوعة السلاح، وخالية من السكان؟
هذا ما نخشاه فعلاً، لأن الضوابط لهذه المعركة غير مفهومة، وعلى الحكومة اللبنانية أن توظّف كل قوتها دولياً وأميركياً بالأخصّ، لمنع هذه الكأس المرّة، والحفاظ على كل لبنان، لا تنتقص منه حبّة رمل واحدة.
ج.د.