دائماً يصل اللبنانيون متأخرين. ففي كل الحروب والتجارب والمآسي التي مروا بها، كان عليهم أن يتجرّعوا كأس العلقم، ثمّ يعودوا إلى تحطيمه ولعنه.
نقول هذا ونحن نسمع كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأخير، بعد لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن أن لبنان مستعد لتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش إلى الجنوب. وهذا ما كان يطالب به كثير من اللبنانيين حتّى بُحّت أصواتهم. ومن تابع كلام وزير الخارجية اللبناني عبدالله أبو حبيب في الأمم المتحدة – المكسّر لفظيّاً ونحويّاً، حتّى اهتزّت عظام سيبويه في قبره- يظنّ أن لبنان له وجهان مختلفان أو لسانان متناقضان.
جيّد أن يصل ميقاتي إلى الموعد متأخراً، فاللاوصول كارثة، إلا إذا كان هناك من يعرّف الكارثة بأنّها نعمة من النِعم الإلهيّة علينا.
وحدّد الرئيس ميقاتي البقعة التي يمكن للجيش اللبناني أن ينتشر فيها، وهي “جنوب نهر الليطاني”.
قد لا يكون هذا المنطق غريباً لدى البعض، لكنه غريب إذا قارنا بين الأمس واليوم، إذ كان يُقال إن الجيش غير مؤهّل للدفاع عن لبنان.
وفي الشقّ الثاني من حديث ميقاتي، كانت إشارة إلى فتح باب المجلس النيابيّ وانتخاب رئيس للجمهورية. وقدّم لنا مواصفاته: لا يشكّل تحدّياً لأحد. وهذا يعني أنّ أيّ مرشح غير حياديّ لا يؤخذ بترشيحه. وكم دعا أقطاب لبنانيّون إلى فتح باب المجلس النيابيّ، وعرضوا التخلّي عن مرشحهم، مقابل أن يتخلّى الجانب الآخر عن مرشّحه! وكان الخيار الثالث أكثر من مرّة مطروحاً من قبل المبعوث الفرنسيّ جان إيف لودريان، ومن اللجنة الخماسيّة المكلفة بالملف الرئاسيّ اللبناني. وكانت تلك الأصوات تذهب أدراج الرياح.
فهل استشعر ميقاتي الخطر الداهم؟ وهل اقتنع بأنّنا كنّا تجنّبنا أخطاء فادحة يمكن، لو احتكمنا إلى العقل والحكمة؟
في غمرة هذه الأحداث المأساويّة، وأمام الخسارة الهائلة التي مني بها لبنان، قتلاً، وترويعاً، وتهجيراً، وإفقاراً… ولبنان أصلاً في أزمة، ولا ينقصه المزيد من المصائب… نستذكر ما كرّرنا قوله على هذه الصفحة، وهو أنّ على الحكومة أن تحزم أمرها، وتتصرّف في إدارة البلد، وتأخذ على عاتقها صليب الخلاص، فليس من دولة تحترم نفسها تترك الحبل على الغارب، وتتنصّل من واجباتها كما فعلت الحكومات اللبنانية على مرّ السنوات. ويحقّ لنا أن نسأل الآن: هل وصلنا متأخّرين مرّة أخرى عن المواعيد المضروبة؟ أم ننتظر ما ستسفر عنه الحروب الدائرة في المنطقة لكي نتّخذ القرار؟
رحمة بما بقي من لبنان، ومَن بقي من أهله، افعلوا شئاً للخلاص، لكي تستريح أرواح الشهداء، ويهنأ الشعب اللبناني، يوماً واحداً على الأقلّّ، من غير آلام وموت. ونحن نخشى أن يكون فات الأوان، كما في الماضي، وأن نكون وصلنا إلى نقطة لا مجال فيها للحديث عن أيّ سلام.
ج. د