الخسارة الهائلة

تنطوي الورقة الأميركية التي أعدّها المبعوث أموس هوكشتاين على نقاط تعتبر قاسية ومريرة بنظر حزب الله، ومن تلك النقاط: مراقبة دقيقة لمطار بيروت، ومرفأ بيروت، والمعابر البريّة التي تنقل إيران عبرها السلاح من سوريا إلى لبنان.
هذه الورقة الأميركية التي اطّلع عليها الرئيس الأميركي جو بايدن، تتوافق أيضاً مع تطلعات الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يريد إنهاء الحرب في الشرق الوسط، وإيجاد حلّ دائم في لبنان، لكي لا يكون هذا البلد ساحة من جديد، في كل مرة تتناقض فيها التطلّعات الخارجية، والأطماع.
ويلفت في هذا الإطار تصريح أدلى به هوكشتاين قبل توجهه إلى بيروت، بأن الحل ليس للجنوب فقط، بل هو لكل لبنان. كما لافتٌ تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن التفاوض هو “تحت النار”.
القضيّة الآن ليست لعبة أولاد، والورقة الأميركية لا تترك شاردة وواردة، ولا زاوية يمكن من خلالها التحايل والتذاكي، والتملص، واختلاق حجج. فالمطلوب أميركياً إعادة حزب الله إلى العمل السياسي داخل المجموعة اللبنانية،

وتسليم سلاحه، وعدم السماح له بالحصول على أسلحة جديدة. لكن من الصعب على الحزب أن يجد نفسه في هذه الوضعية، بعد أعوام طويلة من الإممساك بالقرار اللبناني، والاستفراد بقرارات الحرب والسلم، وحيازة السلاح دون باقي الأحزاب اللبنانية. من هنا، أراد الحزب أن يقدم موافقة شفهية على الورقة الأميركية، لكن هوكشتاين أصرّ على أجوبة مكتوبة. وكادت زيارته إلى بيروت تلغى أو تتأجّل، واستطاع الرئيس نبيه بري أم يقنع حلفاءه في الحزب بأن لبنان لا يتحمّل ترف الوقت، وكلّ يوم حرب هو خسارة هائلة، في مقابل خسائر ضئيلة لإسرائيل. وكانت حجة الحزب أن الورقة الأميركية تنتهك السيادة اللبنانية. وهو يحاول تثبيت نفسه كمقاومة لا بدّ منها، ولا يمكن للشعب اللبناني الاستغناء عنها. وهذا يتماهى مع تصريحات سابقة لمسؤولي الحزب بأن الوقت مبكر للحديث عن تغييرات سياسية في لبنان.
ويخشى حزب الله من عدة أمور أهمها:
1- فقدان سيطرته على القرارين السياسي والعسكري في لبنان.
2- إلزامه بالخضوع للأنظمة والقوانين اللبنانية أسوة بغيره من الأحزاب والمكونات.
3- خسارة المرافق التي كان يهيمن عليها، كالمرفأ والمطار، لصالح قوات دولية.
4- إعادة فتح ملفات سابقة كان يعتقد أنها أصبحت من الماضي، أبرزها ملف انفجار المرفأ.
5- التخلي عن الفيتو الذي يعتمده دائماً تحت شعار “التوافق” لمنع الاستحقاقات الدستورية، وفرض آرائه، بينما لا يَخضع سلاحُه للتوافق.
ولا شكّ في أن الحزب يضع في كفّة الميزان الآن هذه الخسائر، وفي الكفّة الأخرى خسارة هائلة على الأرض، من قتل، وتدمير، وتشريد، واحتلال للأرض حتى مسافة قد تكون وصلت إلى 7 كيلومترات، وتهديد مدينة صور والخط الساحلي. وقد تكون هناك نوايا أخرى خبيثة لدى إسرائيل. ولذلك يحاول الرئيسان بري وميقاتي أن يخرجا من النفق الذي دخلنا فيه منذ 8 تشرين الأول 2023.
لكن السؤال يبقى: ماذا لو أن هوكشتاين ومعه الأميركيون والأوروبيون وشريحة كبيرة من اللبنانيين، قد علقوا آمالاً كبيرة على اتفاق مأمول، ثم يتبين أن هناك ثغرة قد تعيد الساعة إلى الوراء… ولبنان وإسرائيل لهما باع طويل في اصطياد الثغرات والهروب من الباب الخلفي عند الضرورة، وعندما لا صوت يعلو على صوت المعركة؟
ج. د.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com