يقفل العام الاول لحرب الإسناد والإشغال، على أعداد كبير من الشهداء، تجاوزت الألفين ومئة شهيد وشهيدة، وأكثر من عشرة آلاف جريح ومصاب، وتدمير ممنهج لعشرات آلاف الوحدات السكنية، والمؤسسات الصناعية وإحراق المزروعات.
فالجرائم والمجازر الإسرائيلية المتنقلة، من البقاع إلى الضاحية والجنوب، حيث تستهدف بشكل متعمد الفرق الإسعافية والدفاع المدني، ومنها المجزرة في بلدة برعشيت، التي اسفرت عن سقوط 10 شهداء من الدفاع المدني في إتحاد بلديات بنت جبيل، تتزامن مع عمليات إبادة للحجر وتسوية قرى بأكلملها مع الأرض، وهذا ما اظهرته مقاطع فيديو من الجو لبلدة يارون الحدودية، في قضاء بنت جبيل.
وتشير كل التقديرات والمعطيات على البر، المترافقة مع تدمير لابنية ضاحية بيروت الجنوبية والبيئة الإقتصادية، إلى أن الخطة الإسرائيلية، تقضي بالاستمرار في النهج ذاته الذي اعتمد في قطاع غزة، أي تدمير كامل للبنى التحية والفوقية، وتوسع العمليات البرية، وتدمير البلدات، التي يحاول عناصر “حزب الله” الدفاع عنها في معارك ضارية، حيث يواجهون أشرس هجوم إسرائيلي على لبنان، يتخطى درجات، عدوان تموز 2006.
وفي الأسبوع الثالث للعدوان الموسع، لم تنج بلدة وقرية على إمتداد الجنوب، من الغارات الإسرائيلة،التي بلغت المئات، وأدت إلى سقوط مزيد من الشهداءفي صريفا وطيردبا وصور، فيما دخلت البوارج الإسرائيلية بقوة على خط العدوان، التي تحاصر البحر الجنوبي وتطلق قذائفها على مناطق عديدة، من بينها بلدة الناقورة، التي تضم مقر قيادة قوات “اليونيفيل”.
وكانت القوات الدولية العاملة في الجنوب، قد ذكرت يوم الاثنين، في بيان لها، أن الجنود الإسرائيليين قد عرضوا جنودها للخطر، فيما أكد مصدر في “حزب الله” أن الحزب لن يستهدف القوات الإسرائيلية قرب مارون الراس لحماية حياة قوات اليونيفيل، متهماً إسرائيل باستخدامها “اليونيفيل” كدروع بشرية.
ويبدو أن “حزب الله” ليس في وارد التراجع عن حرب الإسناد، وهذا ما يناقض موقف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، شريك الحزب في الثنائي الشيعي الذي يكاد “يبق البحصة”، ويقول كفى.
وسربت مصادر أن الرئيس بري، كان منذ أشهر يعبر عن امتعاضه من حرب الإسناد، لكنه اضطر إلى مماشاة طحزب الله” حفاظاً على وحدة الصف.
ويرى بري الآن أن المعارك والمواجهات على جبهة الإسناد دخلت مرحلة استراتيجية جديدة، وتخطت بكثير عملية “البيجر” و”اللاسلكي” وجرائم الاغتيال في بيروت، وبات عنوان هذه المرحلة “الدخول في الحساب المفتوح”. وقد فوجئ “حزب الله” وجميع اللبنانيين بعدم تناسب القوة بين الحزب وإسرائيل، فقد كان المتوقع أن يسقط آلاف القتلى من الجنود الإسرائيليين، وأن تدمّر البنى التحتية في إسرائيل، فإذا بالوقائع تثبت تفوقاً استخباراتيا وعملياتياً مذهلاً لصالح إسرائيل.
ولم يعد ثمة مجال للشك، بأن حكومة نتنياهو، قد انفلت عقالها، وأن شهيتها لإشعال الحرائق والحروب لا حدود لها يمكن أن تتوقف عندها… وقال مسؤول إسرائيلي: “لقد انتهت الحرب على غزة فعلياً من دون أن تنتهي رسمياً”، فكان لا بد من فتح جبهة جديدة، لتحقيق غرضين اثنين:
الأول، تكتيكي، بالوصول إلى الانتخابات الأميركية، بعد إطاحة كامل حظوظ حملة كمالا هاريس والحزب الديمقراطي، وفي الطريق معالجة قضية نازحي مستوطنات الشمال التي تضغط على نتنياهو كما كانت تضغط عليه قضية المحتجزين لدى حماس جنوباً.
والثاني، استراتيجي، لحسم الصراع مع الفلسطينيين بتصفية قضيتهم، وفي الطريق نفسه الحفاظ على الحكومة، وتجنيب نتنياهو ما أمكن، عناء “التحقيق في الفشل والتقصير”، والمحاسبة على ارتكاباته القديمة، من فساد وسوء استخدام السلطة وتلقي الرشى.
ولم يعد الجانب الإسرائيلي يصغي إلى الطروحات بوقف إطلاق النار في الحنوب، إذ يبدو أنه استسهل قضم الأراضي، وفرض شروطه، وسط تراخ إيراني، ونأي بالنفس سوري، والاكتفاء بأذرع تطلق صواريخ، قلما تؤدي إلى نتيجة وإلى تغيير في موازين القوى.