ثلاث دول

ليس في لبنان دولة واحدة، ولا دولة ودويلة، كما يحلو لبعض المعارضين أن يسمّوها، بل ثلاث دول، كلّ واحدة “فاتحة على حسابها”، ولكلّ دولة تطلّعاتها، وطريقتها في العمل، وأساليبها الخاصّة بها.
الدولة الأولى، هي لبنان الكبير، الممتدّ من رأس الناقورة جنوباً إلى النهر الكبير شمالاً. هو خريطة جغرافيّة، بما عليها من سكّان ومنشآت. ولها حكومة، هي الآن حكومة تصريف أعمال، في غياب رئيس للجمهوريّة. دولة ترفع شعار الإصلاح، وهو غير موجود، وتحدّثنا عن الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو غير موجود أيضاً، وعن البترول، وأين هو؟ كما تحدّثنا عن الالتزام بالقرارات الدولية، وأهمها القرار 1701، بينما كلّ شيء يدل على أن هذا القرار، كما واقفت الحكومة اللبنانية عليه، لم يعد موجوداً بتطبيقاته ومندرجاته. ولن نشرح أكثر في هذا الموضوع، كي لا يقال إنّنا نتخذ موقفاً سياسياً، لكن كلنا نتذكر بند الأربعين كيلومتراً شمال الليطاني، المنزوعة السلاح. ونتذكر البوارج التي رابطت في البحر الأبيض المتوسط صيف 2006، وكانت تضيء فوانيسها منعاً لتهريب السلاح، ثم اختفت على حين غرّة.

الدولة الثانية هي دولة الممانعة. كلّ شيء على ذوقها، وبإرادتها، وحتى التوافق الذي طرحته، وابتدعته، أصبح له تفسير آخر، هو التوافق على ما تريده هي، وليس على حلّ وسط. وما عايشناه في الأيام القليلة الماضية، من رفع السقوف، والفرض والتخوين، دليل على أنّ في لبنان الآن منهجين يتصارعان، وقد صرح النائب ميشال معوض المنسحب من الانتخابات الرئاسية، بسبب انعدام الديمقراطيّة، بأنّ “منطق 7 أيار لا يتماشى معنا”. وهذا الكلام بصيغة الجمع يدل على دولة ثالثة يمكن تسميتها بـ”ممانعة الممانعة”، وقواميس هذه الدولة تشرح الدستور بشكل مختلف، فهي ترى أنّ النائب يجب أن يكون ناخباً إجبارياً فور شغور سدّة الرئاسة، وترفض التوافق بالمعنى الذي تفهمه الدولة الأخرى، فالتوافق في أي منطق يعني كلمة سواء، وخيار وسط بين خيارين، وليس في التوافق خطّة “أ” فقط.
وبين هذه الدول، الأولى العرجاء الفقيرة، التي تضرب أخماساً بأسداس، ولا تعرف ماذا تفعل، وتحاول قدر الإمكان تأمين حاجات الناس، لكنها في المقابل تفشل في اتخاذ قرارات مصيرية، كما يفترض في حالة حاكمية مصرف لبنان، والثانية دولة التوافق على اللاتوافق، والثالثة دولة الدستور بحذافيره… تبقى الأزمة اللبنانية عالقة بين فكّي كمّاشة، ومهما حدث، وحتّى لو دخل رئيس للجمهورية إلى قصر بعبدا اليوم قبل الغد، فإن هذه الأزمة لا حلّ لها، إلاّ بأن يقتنع طرف بنهج الطرف الآخر ويسلّم له، وهذا لن يحدث إلاّ بانقلاب يزلزل الواقع، ويعيد رسم الخريطة كلها. وهذا أبعد من النجوم في المدى المنظور.
ج.د

ج.د

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com