يعيش الجنوب اللبناني حالياً على التنفس الاصطناعي، في ضوء معطيات متسارعة، تحكمها عوامل رئيسة، أهمها:
1- الضغوط الدبلوماسيّة الكبيرة على الحكومة والأطراف الفاعلة في لبنان، من أجل تخفيف الاحتقان، بحيث تعتبر الدول المعنيّة أن لا مصلحة للبنان بالانجرار إلى حرب لم يكن له رأي فيها أصلاً، ولا جرى التنسيق معه بشأنها.
– ميزان القوى الذي يبدو أنه ليس في مصلحة لبنان. ففي حين أن التحشيد الدولي ما زال في صالح الاعتداء الإسرائيلي على غزة، يتبين في المقابل، أن العناصر الكبرى في محور الممانعة انكفأت عن أداء واجبها، وتركت المجموعات التي تتلقى دعماً منها، لكي تحارب وحدها. يضاف إلى هذا أن القمة العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض مؤخراً، خرجت ببيان أقل من المتوقع، في نظر الممانعة. ولا ريب في أن بعض الممانعين يسألون الآن في سرّهم: لماذا علينا أن نكون نحن أمّ الصبي، وغيرنا يتفرّج؟
– مستوى التدمير الهائل لآلة الحرب الصهيونية. والجميع يرى على شاشات التلفزة المستوى الفظيع من الخراب، بما يعادل قنبلتين نوويتين، ولا سمح الله، لو ألقيت قنبلة بوزن طن واحد على شارع في بيروت لحولته إلى أنقاض في غضون ثوان،
ومهما بلغ التهور والاندفاع إلى الحرب، فإن هذا الواقع الجديد محسوب بدقة في الميزان العسكري، ولا يمكن أن يتجاهله أحد.
-اقتناع أطراف عربية فاعلة بأن الحملة العسكرية في قطاع غزة قد وصلت إلى مراحل خطيرة جداً. وليس سرّاً أن بعض هذه الأطراف تراهن على الحسم الإسرائيلي، لإعادة صياغة السلطة في قطاع غزة، بما يخدم مصالحها. وتعتبر دول مجاورة أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، بل يجب أن تعود السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس إلى غزة. وعلى الرغم من أن هذه الدول تظهر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأعتى حملة مدمرة ودموية في تاريخه، فإن مصالحها الاستراتيجية تكمن في تغير الوضع تماماً في القطاع، عمّا كان عليه في 7 تشرين الأول الماضي. وتحت الطاولة هناك تنسيق أميركي – غربي- عربي في هذا الاتجاه، وقد تتبدى ملامحه في غضون أسبوعين من الآن.
– المعارضة الداخلية للحرب، سواء من أغلب الأحزاب، أو من غالبية الشعب اللبناني، لظروف نعرفها جميعاً، والحديث عنها لا يحتاج إلى تنجيم.
لذلك يرى المحللون أن أفق التوجّه إلى الحرب في الجنوب ليس في مصلحة أي طرف، فحزب الله يحاول قدر الإمكان التخفيف عن الضغط العسكري الإسرائيلي على القطاع، ولو كان يريد الحرب الشاملة لكان دخلها من اليوم الأول، ولم ينتظر حتى يصبح الإسرائيلي قريباً من وادي غزة الفاصل بين الشمال والجنوب، ولا إسرائيل في وارد فتح جبهة ثانية، بينما هي تصب اهتمامها على جبهة واحدة، هي جبهة غزة في الوقت الحاضر.
وستبقى ساحة الجنوب صندوق بريد، يتبادل فيه الطرفان الرسائل، في غياب حكومي وأمني واضح، ويترافق ذلك مع عودة حماس إلى الجنوب من الباب الواسع، وهذا لا يمكن أن يحصل من غير التنسيق مع حزب الله، الذي يملك السيطرة على الأرض. ويظهر للعيان أن القرار 1701 هو حبر على ورق، أو بيان شكلي من شأنه أن يضبط الأمور بالحد الأدنى لكي لا تفلت من عقالها، لكنه لا يستطيع وقف الأعمال الحربية بالمطلق.
وسيبقى التنفس الاصطناعي ضرورة في الوقت الراهن، وحركته ترتفع وتنخفض تباعاً، بحسب مقتضيات نصف المعركة، وأقلّ من الحرب.
ج.د