كان الرئيس السابق ميشال عون يصرّ دائماً على التدقيق الجنائي في الحسابات المالية لمصرف لبنان، والذي بدأ متأخرًا سنتين وبضعة أشهر، منذ اتخاذ مجلس الوزراء القرار باعتماده في شهر آذار 2020. وكان يقول “إن التدقيق لن يتوقف حتى يصل إلى نتائج عملية مهما وُضعت في وجهه عراقيل وصعوبات”. لكنّ الرئيس عون لم يذكر مرّة واحدة من هم الذين يضعون العراقيل أمام التدقيق. وهل كان يعرفهم؟ وهل كانوا يدورون في فلك السلطة التي كان هو في رأس هرمها؟
الجواب في عهدة الرئيس عون. وقد يكون مرهوناً بالتحالفات التي حكمت العهد طوال ست سنوات، كانت الأصعب، ولم تكن على قدر تطلعات اللبنانيين.
وقد أنجز فريق من شركة ألفاريز آند مارسال الأميركية مهمته في 27 حزيران الفائت، وقدّم التقرير المبدئي لوزير المالية، وكان مأمولاً أن يبيّن بوضوح المخالفات الأساسيّة التي تمكنت الشركة من كشفها، مع الإشارة الى ان الوزير يوسف خليل كان قد وقع العقد في أيلول 2021، مقابل 2.7 مليون دولار.
المبلغ ليس “بطّالاً” حسب تعبير مسرحـيّـة “الـعـيـال كـبرت”،
وليس مدفوعاً لا من وزارة المالية، ولا من أكياس الحكومة، ولا من مصرف لبنان، حتّى وإن كان الوهم يقول ذلك. فالذي يدفع هو الشعب اللبناني، بل هو صاحب السلطة والقرار. وباسم الشعب اللبناني وحده تكون القرارات السياسية والعسكرية والقضائية. وبما أن القيمين على الأمور أفرغوا البلاد من كل شيء، وباتت كلمة فراغ مألوفة في القطاعات جميعاً، ولم يعد هناك سوى القليل من السكان، فهؤلاء الذين نكبوا بمنظومة فاسدة، يريدون أن يعرفوا ماذا في التقرير “المزروب” في أدراج وزارة المال. ومطلوب من أي موظف شريف، يتعاطف مع إرادة الناس، أن يخلع القفل الذي يمكن أن يكون مضاداً للمتفجرات، وإخراج المحتوى لعرضه أمام الرأي العام، كما يحدث في جميع الدول المحكومة بالشفافية والحقيقة.
إذا كان التقرير تقنياً، وليس نهائياً، كما تدّعي السلطة المتفلسفة، فلا شيء يمنع من نشره باعتبار أنه تقني. وإذا كان فعلياً، فكذلك لا مانع من الكشف عنه، لتحديد المسؤوليات ومحاكمة المخالفين، مهما كانت رتبهم ومواقعهم. لكن وراء الأكمة ما وراءها. وهناك وزارات ارتكبت الفظائع. ووراء الوزارات جهات سياسية غطّت الوزراء وارتكاباتهم. فالتدقيق ليس مقصوراً على المصرف المركزي، بل ينسحب على التعاملات مع إدارات الدولة، والسحوبات والصفقات. ومغارة علي بابا لو فُتحت على مصراعيها، لما نجحت الممارسات السطحية، وادعاءات البطولة، والألعاب الخفية لتحييد الأنظار عن نكبة الشعب اللبناني. والسؤال يا حضرة الوزير: ماذا لو أن شركة التدقيق كشفت غداً عن التقرير غير التقني، فهل ستنشره؟ والسؤال التالي الذي يفرض نفسه أيضاً: هل المبلغ الذي دفعتموه إلى الشركة كان من أجل تقرير تقني أم فعلي؟ ومتى يصدر التقرير الفعلي؟… نورنا لكي نتنور بمعاليك…
كما حدث للتحقيق في تفجير المرفأ، ستطمسون الحقيقة، إلا إذا حدث ما لا تعلمون، والشعب الفقير، الباحث عن لقمة عيش، لا ينتظر منكم العدالة، بعد أن عمّر على السطح “خيمة”.
ج.د.