أيّ لبنان منهما؟

يحتار كثير من اللبنانيين في هويّة الوطن الذي ينتمون إليه. هل هو لبنان الطائف، أم لبنان التحايل على الدستور، وابتداع حجج من أجل مصالح حزبية وفئوية؟
ويسأل هؤلاء عن رئيس حزب التوحيد وئام وهاب، والميليشيا التي يقودها. هل هي مقاومة؟ وهل يشملها اتفاق الطائف أم لا؟
نعلم أن الطائف ينص على ما يلي:
“الإعلان عن حل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية”.
لم يرد في نص اتفاق الطائف مطلقاً أي استثناء في البند المتعلق بتسليم سلاح “الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”.
فمَن هم الأحزاب الذين حركوا عناصرهم إلى محطة “إم تي في”، قبل الإشكال بين وهاب والإعلامي سيمون أبو فاضل؟ ولماذا لا يسميهم وهاب بالأسماء، وهو المعروف عنه أنه يسمي الجميع؟
ونحن كشعب لبنـانـي مـن أن نعرف، وربّما نرفع دعوى إلى القضاء العسكري، إذا علمنا من هم أولئك الميليشياويون الذين يهددون بحرب أهليه، وكانت “ستنفك رقبتهم” – كما يقول.
نحن نعرف أن وئام وهاب عنده ميليشيا، والتدريبات التي تقوم بها علنيّة، وعلى عين النظام والحكومة. ومن غير المعروف لماذا أنشئت هذه الميليشيا بعد سنوات طويلة من اتفاق الطائف، فالجميع عائدون من الحج وهو ذاهب إليه. وفي كل مرة يهدد ويتوعد فئة من اللبنانيين، تم تجريدها من سلاحها، فبات هو الأقوى، والأكثر قدرة على التلويح بالاقتتال الداخلي.
أمام هذه الحال من الانفصام في المجتمع اللبناني، يطرح بعض المتنورين فكرة الفيدرالية. والبلاد في الواقع مفدرلة، فهناك أنظمة متعددة، ومقاييس مختلفة، ومعايير متناقضة، وأحكام متعارضة، وجغرافيات متباعدة، وطبقات اجتماعية وسياسية لا تتشابه. وما يحدث في ملف رئاسة الجمهورية أكبر دليل على وجود لبنانين اثنين، واحد يطلب الحوار على طرح لا بديل عنه، آخر يرضى بالحوار على بدائل وحلول وسط، على الرغم من اقتناعه بأن الدستور لا ينص على “الحوار”، بل على “الانتخاب”.
الفيدرالية لا تعني التقسيم كما يصور البعض، فالولايات المتحدة فيدرالية، وأستراليا وكندا وألمانيا دول فيدرالية، وهي أرقى الأمم، إلا إذا كانت فيدرالية الاستقواء والفقر والتردي والفساد هي الأفضل لدى المكابرين…
وفي رأينا أن سيمون بو فاضل يمثل جانباً من لبنان، ووئام وهاب يمثل جانباً آخر. وكل منهما يرفع الإصبع ويصيح، ويضرب الآخر لأنّه يرفض طروحاته ومشاريعه، بينما البلاد أصبحت في الحضيض. والشعب اللبناني منقسم أيضاً، حيث يبدو أن هناك استحالة في التعايش بين مشروعين. وما بين بيروت الخمسينات والستينات التي كانت عاصمة العالم، وبيروت الآن المهدمة والمنكوبة والذاهبة وحدها إلى الحرب نيابة عن كل العرب، “صار الوقت” ليتخذ اللبنانيون موقفاً، ويقولوا كفى تهديداً وعبثاًً وتلويحاً بالسلاح، ففي الحرب لا أحد يقك رقبة أحد، بل إن رقاب الجميع مهدّدة ولا أحد فوق رأسه خيمة.
ج. د.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com