في لبنان نواب وكتل وتيارات يتصرفون، خارج دائرة المسؤولية، إذ يغلب على ادائهم اليومي طابع رمي المواقف على عواهنها من دون تدقيق او معرفة الى أين يمكن ان تصل الامور، ففجأة تنبه الرئيس نجيب ميقاتي ان ليس بإمكان حكومة تصريف الاعمال التقدُّم بمشروع قانون الى المجلس النيابي يتيح لمصرف لبنان اقراض الدولة لتتمكن من تسديد رواتب القطاع العام، والتدخل في سوق القطع، وبالتالي توفير ما تبقى من دعم للادوية العائدة للامراض المستعصية، طالباً بعد مجلس الوزراء ان يتقدم 10 نواب باقتراح قانون من ضمن المشروع المفترض الذي توقف النقاش حوله. فالكرة رميت في ملعب المجلس الذي كان ينتظر الحكومة لارسال مشروع القانون، فاذا بها تطلب من نوابه القيام بهذه المهمة.
والسؤال: هل الطرق سالكة امام هذا الاقتراح؟ ام ان التعثر يسجّل اولى خطواته، ليطرح اسئلة حول مدى استمرارية الرهان على تبدُّل ايجابي في المشهد المالي والنقدي؟
وفي الامن، الذي يشكل عبئاً على الحياة في الجنوب وعاصمته، جراء استمرار المعارك لليوم الرابع في مخيم عين الحلوة، حيث تبدو هذه المعارك، من نوع “جيوبوليتكا الأمن” او لمن السيطرة على القرار الامني في اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وارتباط ذلك بجملة تعقيدات فلسطينية واقليمية، وربما لبنانية، في اطار التلاعب بأوراق في لعبة مكشوفة ذات صلة بالمسار الفلسطيني ككل.
ولئن كان الجيش اللبناني استقدم تعزيزات لمنع تطور الموقف القتالي خارج المخيم، وحصر ذيول النيران في داخله، فإن توجه المسؤولين المركزيين للفصائل الى المخيم للاشراف الميداني على وقف النار، اعطى مؤشراًً على العزم على محاولة وقف النزف الامني والبشري في المخيم، وتداعياته الخطيرة.
وتراجع اطلاق النار الى حد كبير في المخيم تزامناً مع وصول وفد هيئة العمل الفلسطيني المشترك الىيه برفقة وفد من حركة “أمل” سعياً لوقف كلي للنار، وتثبيته واعادة الهدوء الى المخيم والمدينة.
ومع هذه الوقائع، تلاشى الاهتمام بالملف الرئاسي، ومضت الحكومة الى متابعة مناقشة موازنة العام 2023، مع استدراك عدم القدرة على اقتراح مشاريع قوانين، ما دامت هي حكومة تصريف اعمال.
وقالت مصادر وزارية مطلعة على الموقف الحكومي إن النقاش في مشروع قانون الموازنة وصل إلى المادة ٥٧، وإن التفاصيل متروكة للجلسة المقبلة يوم الخميس اليوم.
اوذكرت المصادر أن هناك عقدة الرسوم والضرائب، إضافة إلى إعفاءات رسوم على السيارات والدراجات الكهربائية التي تعود إلى الأعوام الثلاث الماضية.
تسلم وتسليم في المركزي
الى ذلك، علم ان عملية التسلم والتسليم جرت الثلاثاء بعيداً عن الاعلام بين النائب الاول لحاكم مصرف لبنان الدكتور وسيم منصوري والحاكم المنتهية ولايته رياض سلامة، وان منصوري بصدد اجراء عملية تدقيق في كل اوضاع المصرف لمدة بين اسبوع وعشرة ايام، يباشر بعدها اصدار البيانات رسمياً وعلنياً حول كل الوضعية النقدية والمالية وحركة السيولة وسعر الصرف، “انسجاما مع قراره العمل بشفافية ووضوح” حسبما قالت مصادره.
واضافت مصادر الدكتور منصوري رداً على سؤال حول الضمانات لمصير القرض الذي ستطلبه الحكومة وهل سيموّل من احتياطي المصرف المركزي الممول من المصارف بما يعني اموال المودعين: “منذ سنتين يتم الصرف من هذا الاحتياطي ومن دون رقابة وشروط ولم يتكلم او يعترض أحد، والآن بدأت الاعتراضات والمخاوف برغم ان نواب الحاكم اكدوا انهم لن يصرفوا دولارا واحدا من دون تغطية قانونية ولفترة زمنية محددة ولأهداف محددة انسانياً (الدواء وموظفو الدولة والقوى العسكرية والامنية والطبقات الاكثر هشاشة)، وبضمانة اعادة القرض تحت طائلة وقفه.ووفق آلية لرد القرض يفترض ان تضعها الحكومة بالتنسيق مع المصرف المركزي”.
اضافت المصادر: ان منصوري لن يصرف دولارا واحدا من دون ضمانات.
بوصعب والانتخابات المبكرة
على صعيد سياسي آخر، إستقبل الرئيس نبيه بري، نائبه الياس بو صعب وعرضا التطورات وشؤونا تشريعية.
وقال بوصعب بعد اللقاء: “ناقشنا مواضيع عديدة لها علاقة بموضوع القوانين التي تم انجازها وبحاجة الى تشريع في الهيئة العامة وهي “تشريع ضرورة”، مثل موضوع الصندوق السيادي الذي انجز في لجنة المال، وموضوع الكابيتال كونترول الموجود في الهيئة العامة وهذه قوانين أساسية ضرورية، لأنه في خلال أسابيع قليلة سوف تبدأ عملية الحفر في الجنوب لاستخراج الغاز والنفط، وضروري ان نكون جاهزين وقوانيننا جاهزة حتى لا يكون هناك أي علامة إستفهام على أي شيء يتعلق بالصندوق السيادي وبحفظ الاموال وحتى لو ما زال باكرا الكلام في النتائج، انما نحن علينا تشريعيًا ان نكون جاهزين ومواكبين. وهذه من الامور الضرورية”.
وأضاف بو صعب: “أعود واكرر بعد المحاولة المنتظرة في شهر ايلول اذا لم نستطع الوصول بالحوار، سواء كان ثنائيا او مهما كان شكله، لكن يجب ان يكون هناك تشاور بين كل الافرقاء من أجل الوصول الى نتيجة ويجب ان نخرج بنتيجة واذا لم نستطيع ذلك، أعود واكرر ما قلته في السابق، انه علينا كنواب ان نفكر جدّياً بانتخابات نيابية مبكرة لأنه من غير الجائز لنا كنواب ان نجلس كشهود لثلاث سنوات من دون ان ننتخب رئيسا للجمهورية”.
قضائياً، كان متوقعاً أن يمثل أمس، حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة امام قاضي التحقيق الاول في بيروت شربل ابو سمرا، لاستكمال استجوابه في ادعاء المحامي العام الاستئنافي رجا حاموش بتهمة تبييض الاموال، وعندما ينتهي ابو سمرا من استجوابه يحيل المطالعة الى النيابة العامة الاستئنافية، قبل ان يصدر قراره الاتهامي.
مع الاشارة الى ان سلامة ممنوع من السفر بانتظار القرار القضائي اللبناني، مع استبعاد تسليمه لأية دولة اوروبية لمحاكمته امامها.
السيطرة على المخيم
في ملف الأمن جنوباً، وتحديداً في مخيم عين الحلوة، كشفت معلومات عن حسابات اقليمية، تتصل بالملف الفلسطيني، والسيطرة على الوضع داخل المخيم بين قوى السلطة الفلسطينية والحركات والتيارات المقاومة لها، والمدعومة من قوى اقليمية، ذات امتدادات لبنانية.
وسجل على صعيد احتواء المعارك استنفار وطني واسلامي واسع لوقف المعارك، وتثبيت وقف النار، ساهم فيها كل من الرئيس بري والمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، اللذين جرى اتصال هاتفي بينهما لهذا الغرض، في حين عقد اجتماع دار الافتاء في صيدا بدعوة من المفتي سوسان، ضم شخصيات سياسية وروحية لإطلاق موقف موحد حيال ما يحصل في المخيم، يقضي بضرورة تنفيذ وقف اطلاق النار بالتوازي مع حركة اتصالات ولقاءات لتوحيد الجهود من اجل اعادة الاستقرار والهدوء في المخيم. وطالب مفتي صيدا سليم سوسان اثره بـ”وقف اطلاق النار فوراً في مخيم عين الحلوة”، مؤكداً أن “هذا المخيم هو جزء من مدينة صيدا التي قدمت شهداء من أجل فلسطين، ولم تتخل يوماً عن الفلسطينيين”.
كما عقد إجتماع آخر في سفارة فلسطين في بيروت لهيئة العمل الفلسطيني المشترك، اصدرت بعده بيانا أدانت فيه ما حصل ورفعت “الغطاء عن مرتكبي عملية الاغتيال الاجرامية الجبانة التي تعرض لها اللواء ابو اشرف العرموشي قائد قوات الامن الوطني الفلسطيني في صيدا واخوانه وكذلك جريمة قتل عبد الرحمن فرهود”، ووضعت هيئة العمل “هذا الفعل الاجرامي في دائرة الاجندات التي تخدم الاحتلال الصهيوني المتربص بشعبنا وقضيته وتعتبر هذا العمل المشبوه استهدافاً للكل الفلسطيني”.
وانفجر الوضع مجددا ظهر الثلاثاء في مخيم عين الحلوة، وتجددت الاشتباكات بعنف بعدما كانت متقطعة بين حركة”«فتح” وبعض التنظيمات الاسلامية لا سيما “فتح الاسلام “و”جند الشام”، وسمعت أصوات القذائف بين الحين والاخر، مترافقة من اطلاق الرصاص، على محور البركسات حي الطوارىء وقد ارتفع عدد القتلى صباحا الى 10 بعد وفاة احد الجرحى وسقوط أكثر من 50 جريحا. لكن قرابة االسادسة والنصف مساء تراجعت حدة الاشتباكات وتوقف اطلاق النار تدريجيا بعد توجه وفد من هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك الى المخيم للإشراف على وقف النار وتثبيته.
وأفادت المعلومات قبل ذلك، ان حركة “فتح” شنت هجوما على معقل القوى الاسلامية في المخيم لحسم لوضع، وأن الجماعات الإسلامية وحركة “فتح” والمسلحين الآخرين في المخيم، نصبوا “شوادر” لتفريق الأحياء واعاقة الرؤية على القناصين، كما نصبوا بعضاً منها في مناطق خارج المخيم، ما يعني احتمال امتداد المعركة وتوسعها مناطقياً.
وقد حصل إطلاق نار بعد الظهر، باتجاه النقطة التي يتمركز فيها الصحافيون وانفجرت قذيفة “آر بي جي” بالقرب منهم من دون وقوع إصابات. وعصرا، سُجل تحليق لطائرتين تابعتين للجيش تحلّقان على علو منخفض فوق مخيم عين الحلوة.
وأكدت المعلومات ان أكثر من 60% من أهالي مخيم عين الحلوة نزحوا نتيجة الاشتباكات باتجاه مدينة صيدا، فيما انتشر عناصر من الجيش اللبناني بكثافة عند مداخل المخيم