بداية جيدة هي مذكرة التوقيف بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكن لا يجب أن تكون هذه المذكرة الأولى والأخيرة، وإلاّ فإن القضاء الفرنسي، أو أي قضاء آخر في الخارج، يسير على نهج الغوغاء اللبنانية في إصدار الأحكام الجائرة، والكيل بمكيالين.
ونرجو أن لا يكون القضاء الفرنسيّ خجولاً، وخائفاً من التداعيات السياسيّة، فيستثني أغوال المال والحيتان الكبيرة، تفادياً لما يمكن أن يحدث من فوضى. فإنّ الفوضى قائمة على أيّ حال، فلا رئيس للدولة اللبنانية، ولا حكومة أصيلة، ولا مجلس نيابي قادر على التشريع، ومفتاح المجلس رهينة بالظروف.
والشعب اللبناني الذي اندلعت ثورته في تشرين الأول 2019، لم يكن ثائراً على رياض سلامة، ولا أنطوان صحناوي، بل ثار على الجميع من دون استثناء، ولا أحد فوق رأسه خيمة، حتّى أصبح شعار “كلّن يعني كلّن” شائعاً، وموضع انتقاد من أطراف سياسيين لم يلوثوا أيديهم بالمال العام والصفقات المشبوهة، في قطاعات النفط والـكـهـربـاء، والمـواصـلات، والقطاعات الحيوية للدولة. ونحن أهل الدار، نعرف جيداً كيف أن أمراء الحرب تقاسموا المصالح والمشاريع فيما بينهم، وثرواتهم ليست بالملايين، إنما بالبلايين.
عظيم جداً أن تصدر القاضية الفرنسية مذكرة توقيف بحق سلامة، وقد يدرس الإنتربول هذه المذكرة ويصدر قراراً فيها، لكن حذار الانتقائية في الأحكام، وقد رأينا بعض الأطراف تسارع لكي تركب الموجة، وتعلن أنّها المدافعة عن حقوق الناس، تماماً كما ركبت موجة الثورة في تشرين، لتضييع البوصلة، مع أنّ لا أحد بريء من أغلب الجهات السياسية في لبنان، حتّى تثبت براءته، فالكل من المخالفين قد حكم عليهم الشعب، ولولا أنّ البلاد فرغت من شبابها وشاباتها، لاقتلع المدّ الشعبي الفاسدين عن كراسيّهم، وألقى بهم في السجون.
وبغضّ النظر عما يريده ماكرون من لبنان، فالقضاء ينبغي أن يكون في مرتبة أعلى من المصالح السياسية والمكاسب الاقتصادية. والقاضية أود بورازي تعلم جيداً أن هناك سياسيين هربوا ثرواتهم من لبنان، وبعضهم أصبحوا أغنياء بطرق غير مشروعة، ولهم في تبييض الأموال سجل حافل… واستثناء هؤلاء أو غض النظر عنهم، والاكتفاء بمعاقبة مدنيّين فقط، هو خطأ تاريخيّ.
ونحن، الشعب اللبناني، ننتظر عدالة شاملة، وليس على القطعة، فإمّا تغسل القاضية يديها من دم هذا الصدّيق، وإمّا أن تبدأ من حيث يحاكَم جميع الصدّيقين، من غير تمييز ولا استثناء.
ج.د.
