استعادت بيروت عشية الذكرى 19 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري حضور الرجل الذي ترك بصمات راسخة على مستويات الاعمار والتعليم والنهوض الاقتصادي وبناء الثقة الداخلية والعربية والدولية بلبنان، ووظف علاقاته العربية والدولية في خدمة استقراره وتحرير أرضه، وإبعاد شر العدوان الاسرائيلي عن ترابه ومياهه وفضائه، في وقت كانت فيه الانظار مشدودة أيضاً إلى الاجتماعات الدائرة في مصر حول هدنة طويلة ووقف نار يتيح المجال لصفقة تبادل الاسرى والمحتجزين، بين اسرائيل وحماس، لعلّه يفتح الباب أمام وقف تلقائي للمواجهات الجارية في الجنوب بين جيش الاحتلال وحزب الله، كما أكد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في موقف له الثلاثاء معتبراً أن المكاسب السياسية التي تحملها معها الوفود العربية والاجنبية، والتي تتولى المفاوضات المتعلقة بالجبهة الجنوبية اللبنانية لا يمكن أن تؤثر على موقفنا وتوقف الجبهة في لبنان، واصفاً الجبهة في لبنان بأنها جهة ضغط ومساندة ودعوة وتضامن لالحاق الهزيمة بالعدو الاسرائيلي.
وقال نصر الله: ليس العدو في موقع فرض الشروط على لبنان، داعياً الموقف الرسمي لوضع شروط جديدة على الـ 1701 لتطبيقه.
واستدرك قائلاً: “إذا نفذ العدو تهديداته ضمناً فعليه أن يدرك أن المئة ألف الذين غادروا الشمال لن يعودوا”.
بيروت وبيت الوسط
وتحول “بيت الوسط” إلى خلية استقبالات، فزاره المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان مع مفتيي المناطق، وكذلك رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية المرشّح لرئاسة الجمهوريّة.
كما استقبل الحريري سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في لبنان ليزا جونسون، ثم التقى سفير مصر في بيروت علاء موسى، وبحث معه جهود اللجنة الخماسية لانهاء الشغور الرئاسي.
كما زار بيت الوسط السفير الروسي الكسندر رودوكوف بحضور جورج شعبان مستشار الرئيس الحريري، وأعرب رودوكوف عن سعيه لايجاد حل للبنان، وإمكانية التوافق بين الاحزاب والحركات، مرحباً بزيارة الحريري إلى روسيا الاتحادية.
كما استقبل الحريري السفيرة القبرصية ماريا حجي تيودوسيو، وبحث معها آخر التطورات. وزار بيت الوسط سفيرا فرنسا هيرفيه ماغرو وسفير اسبانيا خيسوس سانيوس. وكذلك التقى الرئيس الحريري قادة ومسؤولي الاجهزة الامنية.
وكشفت مصادر سياسية ان الرئيس سعد الحريري، يرفض في لقاءاته الاعلان عن انهاء قراره الذي اتخذه منذ عامين بتعليق عمله السياسي، بالرغم من ان طبيعة حركته واستقبالاته منذ عودته قبل ايام، تؤشر إلى انتهاجه مرحلة جديدة مختلفة كليًا عن سلوكيات فترة تعليق عمله السياسي، وتوجهه لاستئناف مسيرته في الحياة السياسية في لبنان، ولكن يبدو أنه سيأخذ حيزا من الوقت، بانتظار اتضاح مسار التطورات بالمنطقة، والحرب على غزّة، والتي قد ينتج عنها تسوية إقليمية ودولية، ولبنان سيكون من ضمنها، أكان بخصوص الترتيبات الامنية على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ام بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية، لافتة الى ان تحركات ديبلوماسية متواصلة بين عواصم القرار، لاسيما واشنطن وباريس والقاهرة والدوحة، لاتمام التسوية السياسية مع الاسرائيليين والدول المعنية.
واعربت المصادر عن اعتقادها بأن الحركة السياسية والاعلامية ومحاولة الحشد الشعبي في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هدفها اولا شد العصب الشعبي المؤيد للحريري بعد مرحلة من التراخي بفعل وجود الحريري في الخارج وبعيدا عن سدة السلطة، وثانيا التأكيد بأن الحريري هو الزعيم السنيّ الاول في لبنان وان ما أفرزته الانتخابات النيابية الاخيرة، لم يفرز قيادات بديلة، وانما نوابا عاديين، بالرغم من عدم ترشحه وخوضه للانتخابات المذكورة وغيابه في الخارج، والثالث بعث رسالة مهمة ان لا بديل عن زعامة الحريري في هذه المرحلة بالذات.
وسياسياً، زار بيت الوسط النائب من كتلة لبنان القوي آلان عون الذي أكد على استمرار التواصل، مؤكداً على دور الرئيس الحريري في تصحيح الخلل في المعادلة الوطنية، واصفاً الحريري بأنه أحد العاملين في التركيبة السياسية اللبنانية.
وزار وفد من الجمهورية القوية – القوات اللبنانية ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم توجه إلى بيت الوسط للقاء الرئيس سعد الحريري.
المفتي دريان
وقال المفتي دريان: “لم يكن الشهيد رفيق الحريري مجرد زائد واحداً على عدد رؤساء الحكومات في لبنان، وجاء على أنقاض دولة دمرتها حرب أهلية استمرت سنوات عدة، أحرقت الاخضر واليابس، ودمرت الدولة ومؤسساتها، وباعدت بين ابناء الوطن الواحد. فعمل على إعادة بناء الدولة من جديد، انساناً ومجتمعاً ومؤسسات. كما عمل على إعادة إعمار عاصمتها لتعود من جديد منارة مضيئة في عالمنا العربي”.
ورأى الرئيس تمام سلام أن لبنان يشعر بغياب حكمته أكثر من اي وقت مضى.
من جانبه، زار الرئيس الحريري عين التينة، والتقى بالرئيس نبيه بري، الذي استبقاه إلى طاولة العشاء.
وسارت مسيرة شعبية حاشدة إلى بيت الوسط دعماً للرئيس الحريري.
وفي مدينة سيدني الأسترالية، أقام تيار المستقبل أمس الأربعاء، حفلاً خطابياً في صالة سيتي فيو – لاكمبا، احتفاء بعودة الرئيس الحريري إلى لبنان، ولحضّه على البقاء في بيروت واستئناف نشاطه السياسي.
ميقاتي وهوكشتاين
في الأثناء، يتوجه الرئيس نجيب ميقاتي إلى سويسرا، حاملاً معه أسئلة حول التهدئة وهواجس من مغامرة اسرائيلية خطيرة في الجنوب، وهو سيلتقي هوكشتاين في ميونيخ آخر الاسبوع لمعرفة أين أصبحنا في مسار التهدئة وإعادة الاستقرار.
وأكد الرئيس ميقاتي أن الوضع في الجنوب لا يخلو من الحذر، ولكن الامور تتجه إلى نوع من الاستقرار الطويل الامد.
وقال: “الاتصالات مستمرة في هذا الصدد وسأعقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع العديد من المسؤولين الدوليين خلال مشاركتي في مؤتمر ميونيخ يومي الخميس (اليوم) والجمعة (غداً)، من بينها مع اموس هوكستين، لمعرفة اين اصبحنا في مسار التهدئة واعادة الاستقرار”.
وكان رئيس الحكومة يتحدث خلال استقباله جمعية الاعلاميين الاقتصاديين، في السرايا الحكومية.
وقال الرئيس ميقاتي: “التحدي الاكبر امامنا يتمثل بوضع الجنوب، وكل الرسائل التي أتوجه بها الى الموفدين الخارجيين وجميع المعنيين أننا طلاب أمن وسلام واستقرار دائم في الجنوب. نحن مع تطبيق القرار ١٧٠١ كاملا ونريد خطة لدعم الجيش بكل المقومات. نحن اليوم امام خيارين: إما الاستقرار الدائم الذي يشكل افادة للجميع، واما الحرب التي ستشكل خسارة لكل الاطراف. اتمنى ان تنتهي هذه المرحلة الصعبة بالتوصل الى الاستقرار الدائم، وان شاء الله الامور الميدانية لن تتطور”.
وقال ردا على سؤال عن المبادرة الفرنسية: “نحن نقدر المساعي الفرنسية لدعم لبنان، ولكننا لم نتبلغ من الجانب الفرنسي ورقة رسمية، بل ورقة افكار طلبوا الاجابة عليها”.
وعن الحملات التي يتعرض لها، قال: “أنا كرئيس حكومة لم أخض الانتخابات النيابية لئلا يقال انني أتصرف شعبويًا، بل أعمل بما يرضي ضميري وقناعاتي واتخذ القرارات المناسبة لمصلحة الدولة اللبنانية. ومن يريد الانتقاد فليفعل ما يشاء. هل انا من يقرر في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية؟ لينتخبوا رئيسا جديدا للجمهورية ويشكلوا الحكومة التي يرونها مناسبة”.
وعما اذا كان راغبا في العودة الى رئاسة الحكومة، قال: “الامور مرهونة بأوقاتها”.
وعن عودة الرئيس سعد الحريري، قال: “أتمنى ان يعود الرئيس الحريري الى ممارسة العمل السياسي”.
وتطرق الى الملف الاقتصادي، فقال: “إن الخروج من الأزمة الراهنة ليس صعبا، علما أن ثلاث كوارث كبيرة حصلت في الوقت ذاته في لبنان في السنوات الأربع الأخيرة، وهي أزمة المصارف التي لم يحصل مثلها نسبة الى حجم الاقتصاد اللبناني، وانفجار مرفأ بيروت وجائحة كورونا”.
أضاف: “يواجه لبنان تحديات كثيرة ونحن نبذل كل ما في وسعنا ليبقى صامدا ونضعه على سكة التعافي النهائي. في العام 2022 أعددنا خطة للتعافي وارسلناها الى مجلس النواب، لكن للاسف لم يقرأها الا قلة من النواب. كما ارسلنا عدة اقتراحات قوانين عبر عدة نواب، لكن المجلس طلب ارسالها بصيغة مشاريع قوانين”.
وتابع: “إن مشروع القانون الذي اعددناه وسيناقش الاسبوع المقبل في مجلس الوزراء، يتعلق بـ”معالجة أوضاع المصارف واعادة تنظيمها”، يشكل ارضية للانطلاق منها لمعالجة الملف المالي. من المؤسف ان سياسة الحفاظ على النقد على مدى سنوات كلفت الخزينة عشرات مليارات الدولارات. المسؤولية عما حصل لا يتحملها المودع ولكننا امام واقع علينا التعاطي معه لايجاد حل ضمن المنطق”.
وتابع: “أهم ما نحن في صدد درسه يتعلق بإدارة موجودات الدولة غير المنتجة واصول الدولة. سنناقش الملف على طاولة مجلس الوزراء ونرسله الى المجلس النيابي، حيث سيخضع للنقاش في اللجان وبالتشاور مع الحكومة ومصرف لبنان قبل صدور القانون الكفيل بايجاد حل منطقي ومقبول لهذه المعضلة. ومن يملك اقتراحاً افضل فليتفضل بطرحه، واتمنى ان يعجل المجلس في بت هذا الملف وان يكون بته بالطريقة الفضلى لتحقيق الغاية المرجوة. الاسبوع المقبل سنعقد جلسة لمجلس الوزراء وقد بدأت تردنا الملاحظات على المشروع وسنناقشها خلال الجلسة”.
وعن ملاحظات صندوق النقد الدولي على المشروع، قال الرئيس ميقاتي: “صندوق النقد الدولي لا يقبل بإدارة اصول الدولة المنتجة، بل يؤيد إدارة أصول الدولة غير المنتجة لتصبح منتجة مما يغذي صندوق استرداد الودائع، واعتقد ان صندوق النقد ينظر الى الافكار المطروحة بعين ايجابية”.
أضاف: “التحدي الثاني الماثل امامنا يتمثل بمعالجة ملف الرواتب والاجور وزيادة الانتاجية للعاملين والمتقاعدين في القطاع العام. عام 2019 كانت الموازنة العامة تبلغ 17 مليار دولار ثلثها رواتب واجور للقطاع العام، اما هذا العام فتبلغ الموازنة 3 مليارات و200 مليون دولار ثلثها رواتب وأجور. الموظفون والمتقاعدون حتما مطالبهم محقة، ولكن الواقع امامنا يقتضي البحث الدقيق. خمسون في المئة من المتقاعدين تبلغ اعمارهم أقل من ستين عاما، وهذه قنبلة موقوتة للمستقبل”.
وعن اعادة هيكلة القطاع العام، قال: “من اصل 28 الف وظيفة عامة تنص عليها هيكلية الدولة هناك 7400 فقط حاليا وكل شهر يغادر منهم الف شخص من المدنيين والعسكريين. القطاع العام هو الاقل عددا، والحوار المطلوب يتعلق بالاعداد الكبيرة للعسكريين والامنيين”.
وردا على سؤال عن التأخر في اقرار قانون هيكلة المصارف، قال: “عام 2022 اعددنا خطة للتعافي الاقتصادي ارسلناها بصيغة اقتراح قانون تقدم به الوزير والنائب جورج بوشكيان، لكن مجلس النواب رفض الاطلاع عليه وطلب ارسال الخطة بصيغة مشروع قانون. اما القرار النهائي في هذا الملف فرهن ما سيتم البت به في مجلس النواب”.
الوضع يتفجر جنوباً
وبقي الوضع الميداني في الجنوب متفجراً وأعلن حزب الله أنه تم استهداف موقع رويسات العلم في مزارع شبعا بالاسلحة الصاروخية.
وتحدثت وسائل اعلام اسرائيلية عن “اطلاق ما لا يقل عن 6 صواريخ من لبنان باتجاه مرغليوت في اصبع الجليل من دون تفعيل صفارات الانذار، ووقوع اضرار في المكان”.
يشار إلى أن الجيش الاسرائيلي وجه أمس نيران رشاشاته الثقيلة باتجاه جبلي البونة والعلام واطراف بلدة الناقورة وعلما الشعب. وقبل الظهر، شن الطيران الحربي غارتين على مروحين، كما قصفت مدفعية الجيش الاسرائيلي اطراف الجبين ويارين، وشن الطيران غارة على اطراف عيتا الشعب – راميا محيط حلة وردة. واستهدف راميا بغارة ثانية.
نصرالله
في الأثناء، دعا الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إلى “الاستغناء في هذه المرحلة عن أجهزة الهاتف الخليوي، العميل هو الخليوي الذي بأيديكم وهو عميل قاتل، والعدو استغنى منذ زمن عن العملاء لأن جهاز التنصت (الخليوي) هو معكم ويحدد مكانكم وينقل كل شيء”.
وأضاف خلال الاحتفال التكريمي الذي يقيمه حزب الله للجرحى والأسرى
وتابع: “المقاومة اليوم هي أقوى يقينًا وأشد عزمًا من أي يوم مضى على مواجهة العدو في أي مستوى من مستويات المواجهة، ومن يهدّدننا بالتوسعة أقول له نحن نوسّع ومن يتصور للحظة واحدة أن المقاومة في لبنان ومن خلال فعلها الميداني وما تملك من عناصر القوة انها تشعر ولو للحظة واحدة بالخوف والارتباك هو مشتبه ومخطئ”.
وأردف: “عندما يتوقف عدوان العدو في غزة سنتوقف وعندما يقوم العدو بأي عمل سنعاود العمل على ضوء القواعد والمعادلات وستكون ردودنا متناسبة وهي دائما فعالة ومؤثرة”.
وشدّد نصر الله على ان “وزير الحرب الاسرائيلي قال إنه سيكمل في الجنوب فأهلاً وسهلاً ونحن نكمل في الجنوب، عندما يتوقف العدوان على غزة سيتوقف اطلاق النار في الجنوب، ونحن نقاتل في الجنوب وعيننا على غزة، ونتابع كل التطورات في المنطقة والاحتمالات مفتوحة”.