يمكن لأي عاقل أن يؤكد أن أبراج المراقبة الحدودية في أي بلد هي حقّ سياديّ. وإذا دخلنا إلى موقع “غوغل” وطلبنا مادّة “أبراج مراقبة” بالصور، لوجدنا المئات منها، تنتشر بين الصين والهند، وبين روسيا والصين، وبين الولايات المتحدة والمكسيك، وبين أرمينيا وأذربيجان، وبين كولومبيا وفنزويلا، وفي كشمير الهندية، وفي أفريقيا. وبالمختصر المفيد، لا تخلو أيّ مراقبة حدودية من هذه الأبراج إلا في الدول التي ليست بينها خلافات، كالدول الأوروبيّة. وإلغاء هذه الأبراج يعرّض سلامة البلدان للخطر، والتخلّي عنها يساوي التخلّي عن المناظير الليلية، والحدود المرسومة، والأسلحة التي يحملها الجنود، لينصرفوا إلى الدبكة والهوارة، بدلاً من التصدي لتهريب البشر، والمخدِّرات والسلاح، وتسلل الأفراد ذوي الخلفيات الإجرامية والإرهابية.
وفيما يعيش في لبنان مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بعضهم لأسباب صحيحة، والآخر لأسباب اقتصادية، وللحصول على مدفوعات الأمم المتحدة، وفيما تظهر قدرة لبنان الضئيلة جداً على إطعام أبنائه وتوفير الخدمات لهم من كهرباء ومياه وطبابة. لا يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه، فما هو المطلوب أكثر؟ وهـــل يجب أن يخلع الناس ثيابهم، ويخرجوا من بيوتهم، لكي يسكن فيها الآخرون؟
إنّ الطلب من الحكومة اللبنانية أن تزيل أبراج المراقبة الحدودية، هو طلب ساذج، لا يمكن هضمه بأيّ حال. فتلك الأبراج ليست طائرات الأواكس التي تراقب مساحات شاسعة. وخدمة الأبراج لا تتعدى كيلومترات محدودة، كما أنها أقيمت منذ عشر سنوات، وليس هناك من وثائق، أو مراسلات، أو اتصالات سابقة توحي بأنّها تشكل خطراً على سلامة أي بلد، بل هي بالعكس خدمت كثيراً، في الحد من التهريب والبلطجة، ودخول الإرهابيين. وهي أنشئت أصلاً بدعم من الحكومة البريطانية في همروجة الإرهاب، و”داعش” والنصرة، وليس لأي قصد آخر. ونحن نعرف أن لبنان لا يطعن بالدول الشقيقة، بل هو ضحى الكثير من أجلها. بل يدفع وحده عن العرب جميعاً ثمن المواجهات والحروب والدمار، التي كان يمكن تفاديها لو التزم لبنان الحياد كما يفعل الآخرون.
نعتقد أنّ الرسالة السورية إلى الحكومة اللبنانية هي خطأ مطبعي، يمكن تصحيحه، والتراجع عنه. والحكومة اللبنانية ملزمة بتقديم إجابة منطقية وتقنية، ولا تُظهر التراخي في موضوح حماية الحدود. ويتعين إجراء اتصالات دبلوماسية تحفظ حقوق البلدين. والأطراف اللبنانيون الذين لديهم علاقات وثيقة مع سوريا، يستطيعون حلّ هذا الإشكال العارض، بمساع من جانبهم، لكي لا تتحول أزمة الأبراج إلى برج بابل، يضيع فيه الحابل بالنابل، وتتحول الرغبة السورية إلى خلاف نحن بغنى عنه الآن. أمّا إذا انصاعت السلطات اللبنانية للطلب السوري، فإن الحدود ستكون شبه مفتوحة، يدخل إليها، ويخرج منها من يشاء… ولبنان لا يحتمل المزيد من الفلتان، إلّا إذا كان هناك من يسعون إلى التراضي على حساب المصلحة الوطنية. وهذا ما نخشاه، وتعوّدنا عليه في السابق، وأوصلنا إلى كثير من الأزمات التي نتخبّط فيها منذ عقود طويلة.
ج.د.