يصرّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على الميثاقية في المراسيم، ويطالب بأن تحمل تواقيع الرئيس الماروني (المغيّب حاليّاً) ورئيس الحكومة السني ووزير المالية الشيعي.
وفي تشرين الثاني 2006 واجه رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة أزمة سياسية، حيث انسحب ستة وزراء -بينهم خمسة من الشيعة- من حكومته، فاعتبرت المعارضة التي كان يتقدمها “حزب الله” حكومته “فاقدة للشرعية” لغياب تمثيل طائفة بأكملها، ومن ثم فهي مناقضة لميثاق العيش المشترك الذي ينص عليه الدستور. وكان التذرع بالميثاقيّة من جانب “حزب الله” وحلفائه الحجّة التي جعلت حكومة السنيورة فاقدة للشرعية.
ولا ينص الدستور اللبناني حرفياً على الميثاقيّة.
وتجمع المراجع الدستورية والقانونية على أنّ تعريف كلمة ميثاقية غير موجود في الدستور، وليس من نصّ يقول ما هو ميثاقي أو غير ميثاقي، إنما تكون الميثاقيّة محترَمة من خلال تطبيق ما تفاهم وتوافق عليه اللبنانيون في الدستور، أي بمعنى التفاهم في المراحل المصيرية والقرارات الكبرى، كما حدث عندما أقرّ دستور 1926، ثم التفاهم غير المكتوب على صيغة 1943، وأخيراً التوافق على نصّ “اتفاق الطائف” في عام 1989.
وغالباً ما يلجأ “حزب الله” إلى الميثاقيّة، لإبطال أي إجراءات لا تصب في مصلحته، أما تلك التي تختص به وحده، فيرفض الميثاقية فيها. وما حدث على طريق المطار من إحراق للافتات تعارض الحرب في الجنوب، أكبر دليل على أن الاستفراد بالقرار – من دون العودة إلى الميثاقيّة- هو ممارسة وفعل، لا تهضمهما فئة كبيرة من اللبنانيين.
وفي الحرب الدائرة جنوباً، خسر “حزب الله” تأييد التيار الوطني الحر، وما يمثله من ثقل شعبي في الشارع المسيحي، ومن تغطية لسلاح “حزب الل”. فبذلك يكون التيار قد انضم إلى القوات اللبنانية، والكتائب، والأحرار، وسيدة الجبل، وكتلة تجدد، ونواب التغيير، و… و… والأهم رأس الكنيسة المارونية. وهذه نكسة استراتيجية، تحرم الحزب من تغطية الحرب جنوباً من قِبل 90 في المئة من الشارع المسيحي، إن لم نقل: أكثر.
والزيارة التي قام بها وفد من “حزب الله” إلى دارة الرئيس السابق ميشال عون، لم تكن من أجل إطلاعه على مجريات الأمور، بعيداً عن الضخ الإعلامي من هنا وهناك. بل محاولة لإعادته إلى موقعه السابق، كحليف للمقاومة، وضامن لميثاقية تحركها الأحادي في الجنوب. وعون الذي كان خبيراً عسكرياً، حتى وصوله إلى رتبة عماد، ليس بحاجة إلى من يشرح له المواقف. وهي مشروحة أصلاً. وقد أدلى العديد من زعماء الصف الأول في “حزب الله”، بأنهم بادروا إلى فتح جبهة الجنوب نصرة لغزة، وللمشاغلة والدعم، مع أن لبنان ليس ملتزماً بمعاهدة دفاع مشترك مع “حماس”، وهو يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
وتتساءل مصادر مقربة من التيار الوطني الحر عن جدوى المشاغلة، وهل أخرت الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة؟ وتتساءل أيضاً أبعد من ذلك: ما الذي فعلته حركة حماس من مشاغلة، عندما تعرض لبنان لأعنف هجوم إسرائيلي في العام 2006؟ ولماذا يدفع لبنان كل مرة – في أوضاع اقتصادية صعبة، وفي خضم أزمة سياسية حادة- ثمناً باهظاً عن العرب، وهم يتفرّجون، كما تتفرج دول الممانعة، وتكتفي بتحريك مجموعاتها في اليمن والعراق ولبنان؟
ولا شك في أن العماد عون قد وصلته رسائل بأن الحرب ليست في صالح لبنان، وقد سمع كثيراً، وقال قليلاً. وأبلغ القول ما معناه أنه مقتنع بما يذهب إليه، وعلى “حزب الله” أن يعود إلى رأي الشعب اللبناني، ولا يقرّر من تلقاء نفسه. أمّا غير ذلك، فهو يناقض نفسه بنفسه عندما ينادي بيثاقية هنا، واستفراد هناك، في ازدواجية لا تصلح لبناء دولة المساواة والمواطنة.
ج.د.