هل قرأ المسؤولون اللبنانيون مؤشّر البؤس الذي وضعته جامعة جونز هوبكنز الأميركية، أم هم يتمنون أن لا يلاحظه أحد، فالـ”جرصة” من هكذا مؤشّر يندى لها الجبين؟
المؤشر المتخصّص للعام الماضي، وضع لبنان في آخر القائمة العالميّة، خلف دولتين فقط، هما الأرجنتين التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تحاول الخروج منها، وفنزويلا اليساريّة التي تسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة عن زعامة العالم.
لبنان الذي كان سويسرا الشرق، وكانت عاصمته عاصمة العالم، تحول إلى دولة خردة، وحل في المرتبة الأولى بين عشرين دولة عربية في قائمة الأكثر بؤساً. وما أبشع هذا اللقب، وما أثقله على طقم سياسيّ ثقيل، لا يخجل ولا يرفّ له جفن! ثمّ يخبرونك عن عدم الرغبة في الذهاب إلى الحرب، لأنّ لبنان لا يحتمل، واقتصاده منهار، وبينما هم يذرفون هذه الدموع، يحاربون من غير أن يسألوا أحداً، تحت عنوان الشراكة، ويمضون بالوطن إلى جحيم آخر، كأنّه لايكفيه جحيم التردي الاقتصادي والمعيشي.
والغريب أن مواطناً لبنانياً يشكو لك من أنه لا يملك من المال ما يكفي لتصليح نافذة، ويعبّر عن خوفه من اندلاع الحرب، ثمّ يحتفل ويرقص طربًاً لأنّها اندلعت، فكأنّه مـأخـوذ بأفلام الكاوبوي الدموية، وكيف أنّ “ساباتا” يحمل الرشاش ويطلق النار على فلول الأعداء فيحصدهم حصداً، ويا للبطولة!
كلّ إنسان يريد الحرب لا يسعى إلى مصلحة لبنان، فمن يحبّ وطنه يعمل على تنميته، والبحث عن حلول اقتصادية لإنعاش المجتمع، وتطوير العمران، وإحلال السلام. ولبنان ليس الذي اصطفاه الله دون العالمين ليكون رأس الحربة – وحده في مواجهة الأعداء وسحقهم ورميهم في البحر. ومن العيب أن يذهب الضعيف وحيداً، حاملاً رايات الكفاح المسلح، بينما دول عربية عملاقة تتفرج وتنكفئ، ولا تفعل شيئاً.
وماذا بعد؟ يخبرونك عن صحفيّ أحيل إلى القضاء لارتكابه جريمة العصر… فيا له من ترف، ويا لها من عدالة! أفليس لبنان بلد الحرّيّات والتعبير عن الرأي؟ وهل هو جمهوريّة موز ممنوع فيها على المرء أن يقول إلاّ “أمرك سيدنا”؟
لو أجرينا استفتاء الآن، لتبين أن ثمانين في المئة من الشعب اللبناني لا يريد الحروب، وقد سئم منها، ويشعر بالقرف لكونه البلد العربي الوحيد الذي يقاتل، فليست الجلجلة ماركة مسجّلة باسم لبنان. وما يقوله الإعلام يقوله كل مواطن في الشارع، ويكرّره سياسيون معارضون ومحايدون كلّ يوم…
لنستيقظ إذن من المخدّر الذي سطا على عقولنا، ولنُخرج لبنان من دوّامة البؤس أوّلاً، وعندما يصبح قادراً على الوقوف، يمكننا أن نعطيه السلاح ونقول له: العدو من أمامك والبحر من ورائك، فهل رأى أحد عاجزاً يحارب إلا عندنا؟
لقد بات مؤكداً أن التصريحات التي يدلي بها مسؤولون في حكومة تصريف الأعمال، ومفادها أن لبنان لا يريد الحرب، هي تصريحات غير شرعية، ولا يصدقها أحد…فلينصرف هؤلاء إلى معالجة الرجل المريض، والقيام بواجبهم في تأمين العلاج له، قبل أن يحوّلوا سريره إلى متراس، ويكرّروا جعجعة هي قمّة البؤس أيضاً.
ج.د