اغتيال سبعة من العاملين في حقل الإغاثة بقصف إسرائيلي استهدف سيّارتهم في دير البلح في قطاع غزّة، أثار غضب رئيس الوزراء الفيدرالي أنتوني ألبانيزي الذي طلب توضيحاً ومساءلة، واستدعت وزيرة خارجيّته بيني وونغ السفير الإسرائيلي في كانبرا، لتقديم احتجاج على المجزرة بعق متطوعين في منظمة المطبخ المركزي العالمي، التي تقدم خدمات الإغاثة والغذاء لآلاف النازحين الفلسطينيين عن منازلهم المدمرة في قطاع غزة.
مقتل العاملين هو نقطة في بحر محيط من أعمال القتل والتدمير التي تحدث في القطاع المنكوب كلّ يوم. والمشاهدات التي تُعرض على وسائل الإعلام عن مساحات شاسعة من المدن والقرى المهدمة، تذكرنا بالحربين العالميّتين الأولى والثانية، ومدى الفظاعة التي ارتُكبت فيهما بحق البشر والحجر.
هذه الحرب العبثية لم تكن لازمة في الأساس، لكنها نتيجة مخطط يجري تنفيذه بدقة، وبتوافق على تقليم أظافر الجماعات الموالية لإيران في المنطقة، وإعادة تشكيل الخريطة في الشرق الأوسط عن طريق الفوضى غير البناءة. والضحايا لهذا المخطط هم الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، ولا هم سبّبوا هذه الكارثة الإنسانية الخطيرة التي تهدّد يتوسّع آلة الحرب والدمار، لتشمل مناطق أبعد.كنّا نتمنّى أن تتحرّك الدول والحكومات، ومن بينها أستراليا، لوضع حدّ لهذه الحرب، ونعني هنا التحرك الفعليّ وليس الكلامي، وعدم الاكتفاء بإصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي، غير ملزمة في الواقع، ولا قيمة لها إلا الحبر الذي كُتبت فيه. فهل يتحرّك الضمير الدولي فعلاً أمام مقتل وجرح عشرات الآلاف، وتحويل مناطق شاسعة إلى ركام لا حياة فيه؟
إن العيون لتدمع على كلّ بريء سقط في هذا الصراع الذي طال أمده، إلى أي جهة ينتمي. وعندما تحزن أستراليا على امرأة شابّة، فارقت الحياة بينما هي تضحّي بنفسها في بيئة محفوفة بالخطر والموت، لتقدّم الطعام للعائلات المشرّدة، والعجائز والأطفال الباحثين عن حبّة قمح بين الركام، فالحزن نفسه وأكثر على كلّ إنسان قُتل من غير ذنب… وربما يكون الدرس الذي أعطته لنا زومي فرانكوم، هو درس عام، وليس محصوراً بنا وحدنا. والضحايا هم من جنسيات مختلفة، لكن يجمعهم دم واحد، فمن الخطأ التمييز في الدم بين شعب وآخر.
منذ ما قبل السابع من تشرين الأول الماضي، والأجساد تتساقط، وما يجري من بؤس وتهجير ونحر يُندى له جبين الإنسانية. وقد آن الأوان لكي نصرخ جميعنا: كفى. لأن الألم مثل الوباء ينتشر بيننا، ونحن نفقد قيمتنا البشريّة إذا لم نعتبر أن كل روح تُزهق هي جزء من أرواحنا، ضمن أسرة من أبناء الله، يجب أن تكون واحدة.
جميعنا خاسرون في النهاية، وأيّ انتصار على جثث الناس هو قمّة الإثم والشرور. ولسنا في الجاهلية الآن، لكي نقول مع شاعرها زهير:
وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرَجّم.
نعم وألف نعم. هذه هي الحرب. إنتحار للأخلاق والقيَم النبيلة.
ج.د