أمس كان أول أيام عيد الفطر السعيد، وأعلنت الدول الاسلامية والمراجع الدينية عن ان يوم الاربعاء هو الاول من شوال، في ما يشبه الاجماع العام، الامر الذي يعزّز اواصر الوحدة والتفاهمات، على الرغم من الجراح النازفة في غزة وعموم فلسطين، والتي حالت السياسة المناوئة والمتغطرسة لاسرائيل لمنع التوصل الى “هدنة” او وقف نار، يسمح بتبادل الاسرى وادخال المساعدات وانسحاب جيش الاحتلال من مخيمات القطاع ووسطه وشماله وجنوبه. وفيما مدد الرئيس نجيب ميقاتي عطلة العيد من يوم أمس الاربعاء 10 نيسان الى 13 منه ضمناً، مما يعني ان النشاط الرسمي لن يستأنف قبل منتصف الاسبوع المقبل، أرخت وحدة موعد العيد بظلالها من الارتياح العام، والرهان على كل ما يجمع ليس المسلمين فقط بل كل اللبنانيين.
دبلوماسياً، وبعد عودتها الى بيروت من نيويورك زارت المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا الرئيس نجيب ميقاتي، واطلعته على نتائج الاحاطة التي جرت في مجلس الامن الدولي حول القرار 1701، لجهة تطبيقه ودعم الجيش اللبناني.
قطوع الاغتيال في المقلب الداخلي، يمكن القول ان البلاد اجتازت او هي في طريق اجتياز قطوع مقتل المسؤول القواتي باسكال سليمان، الذي اعيدت جثته من سوريا الى المستشفى العسكري في بيروت بعدما تكشَّفت مجموعة من الخيوط، ذات الصلة بـ”عصابات” و “افراد” يعملون في اطار الجريمة المنظمة، مما دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى المطالبة بضبط النفس، والتروي والتعقل، فيما بدأت معطيات عدة تتكشَّف. كما أن التحقيقات ستتواصل. وأعلنت مصادر مطلعة أن حزب القوات اللبنانية لا يزال مصرا على وصف الجريمة بالإغتيال السياسي حتى يثبت العكس، مشيرة إلى أن ما صدر من مواقف في هذا السياق يعزز التأكيد أن القوات مصرة على معرفة الحقيقة كاملة. وأفادت هذه المصادر أن هناك متابعة رسمية لهذه القضية وذلك على أعلى المستويات، وقد تحضر في أي وقت عند انعقاد مجلس الوزراء كما في اجتماعات مماثلة. وأكدت أنه سيصار إلى إعادة تعزيز الإجراءات بالنسبة إلى موضوع النازحين السوريين. لكن الدائرة الاعلامية في “القوات اللبنانية” بقيت في دائرة ترجيح “الجريمة السياسية” في اغتيال سليمان. واعتبرت ان ثلاثة اسباب ادت الى عملية الاغتيال وكلها تتعلق بحزب الله: الاول يتمثل بوجود حزب الله بالشكل الموجود فيه بحجة ما يسمى مقاومة، والثانية بالحدود السائبة، التي حوَّلها حزب الله الى خط استراتيجي بين طهران وبيروت تحت عنوان وحدة الساحات، والثالث “خصي” ادارات الدولة القضائية والامنية والعسكرية من خلال منعها من العمل في مناطق معينة.
وفي السياق، ترأس وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي في مكتبه بعد ظهر الثلاثاء اجتماعا استثنائيا لمجلس الامن المركزي بحضور قادة من الاجهزة الامنية والعسكرية ومسؤولين واداريين وقضائيين. وأكّد مولوي بعد الاجتماع “أنّ جريمة قتل باسكال سليمان ارتكبها سوريون”، موضحًا أنّ “التحقيقات بوشرت منذ اللحظات الأولى وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية تنسّق بين بعضها”، مشيرًا إلى أنّ “السيارة المُستخدمة في العمليّة سُرقت من الرابية قبل أيّام”. وشدد على أنّ “البلد لا يحتمل مشاكل أكثر مما هو يواجهها، ولا يحتمل فتناً”، داعيًا إلى “التعقل والاتكال على على الأجهزة الأمنية والقضاء”، موضحًا:”أننا لن نقبل إلّا بكشف خيوط الجريمة كاملة وإصدار القرار العادل بحق المرتكبين”.
وذكر مولوي أنّ “خلفيات الحادثة وغايتها يكشفها التحقيق، وعلى اللبنانيين التحلي بالصبر، والتحقيقات تجري بطريقة شفافة واحترافية”، مؤكدًا أنّ خيوط الجريمة ستكشف طالما أن المرتكبين تم إيقافهم، و”دعونا لا نقارن جريمة باسكال سليمان بغيرها”. وأوضح أنّ “الوجود السوري غير مقبول ولا يتحمله لبنان، ونرى أن هناك الكثير من الجرائم يرتكبها سوريون”، وقال: “أكّدنا للقوى الامنية ضرورة التشدد بتطبيق القوانين اللبنانية على النازحين السوريين”، كاشفًا عن أنّ “نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35% تقريباً”.
وردًا على كلام لوزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين حول المسلحين في المخيمات السورية، أوضح:”إنني لا أعلم إذا قام بعدّهم، ولدى القوى الأمنية جميع المعلومات في ما خص المخيمات”. وفيما تقام مراسم دفن سليمان عند الساعة الثالثة من بعد ظهر غد الجمعة في كنيسة مار جرجس – جبيل، ويترأس القداس البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، كشفت بعض المعلومات ان “ثلاثة من المشاركين في عملية خطف وقتل باسكال سليمان، يحملون بطاقات لبنانية مزورة، كما أن السيارة التي استخدموها مسروقة”. كما ان الأربعة المتورطين الموقوفين لدى مخابرات الجيش في القضية، هم من الجنسية السورية وأبرزهم بلال د.، ولديهم سوابق في سرقة السيارات. ولفتت الى ان “الخاطفين حاولوا اعتراض سيارتين قبل سيارة باسكال سليمان لسرقتها، لكنهم فشلوا، وعندما اعترضوا باسكال قاومهم فضربوه ووضعوه في صندوق سيارته، وتوجه ثلاثة منهم الى بلدة حاويك في سوريا، حيث وصل ميتاً إلى هناك. أما الرابع محمد خ. فبقي في الفندق في القلمون حيث تم توقيفه”.
وأشارت المصادر الى ان “هناك مشتبهين بهما أساسيين يتمّ البحث عنهما، أحدهما أحمد ن. الذي يترأس عصابة لسرقة وتهريب سيارات الى سوريا”. وعلى الارض، تمكنت وحدات الجيش اللبناني من احتواء التصعيد، الذي تمثل باحتجاجات وتجاوزات، طاولت النازحين السوريين، والسيارات العائدة للسوريين ايضاً. (مزيد عن التحقيقات ص 4)
وكانت الجريمة النكراء قد لقيت استنكارات واسعة من مختلف الأحزاب والوجوه السياسية اللبنانية.
الوضع جنوباً
في الجنوب، تراجعت حدة المواجهات، فبعد قصف بلدة يارون ردت المقاومة الاسلامية باستهداف ثكنة زبدين، واوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجيش الاسرائيلي، بحسب المقاومة. كما أعلن حزب الله انه استهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا بالأسلحة الصاروخية وحقق فيها إصابات مباشرة. واعلن: “اننا أسقطنا جنودًا للعدو بين قتيل وجريح ودمرنا ميركافا بعد تنفيذ هجوم ناري على ثكنة دوفيف”. واستهدف الحزب أيضاً “تحركاً لجنود إسرائيليين في محيط موقع جل العلام بقذائف المدفعية”.
ومع إصرار المسؤولين الإسرائيليين على دخول رفح، لتحقيق انتصار على حماس، يتخوف اللبنانيون من تصاعد التوتر في الجنوب، ربطاً بوحدة الساحات بين الفصائل الموالية لإيران. فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الـ186، يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، فيما تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية التصدي لقواته حيث تدور معارك ضارية واشتباكات عنيفة في عدة محاور.
وعلى صعيد مفاوضات صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، قالت حماس، إنها تسلمت الموقف الإسرائيلي خلال جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة، مؤكدة أن “الموقف الإسرائيلي لا يزال متعنتا ولم يستجب لمطالب الشعب الفلسطيني ومقاومته”.
لكنها أضافت أن “قيادة الحركة تدرس المقترح المقدم بكل مسؤولية وطنية وستبلغ الوسطاء بردها حال الانتهاء من ذلك”.
وفي وقت لاحق قال البيت الأبيض، إن الموقف الصادر من “حماس” حتى الآن بالنسبة إلى اقتراح يشمل تهدئة في غزة وتبادلاً للرهائن والمعتقلين، هو “أقل من مشجع”.
رسالة المفتي دريان
وجَّه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة من مكة المكرمة إلى المسلمين بخاصة واللبنانيين بعامة بحلول عيد الفطر السعيد جاء فيها:”في نهايات شهر رمضان المبارك يستحق الأمر أن نصغي إلى نداءات القلب والعقل في نشر رسالة رمضان في فضائل الرحمة والتراحم، والعفو والتسامح، وأخلاق الإحسان والاعتدال.
لقد شهد الشهر المبارك أخلاق المسلمين من حيث الكرامة والود وتقديم الخير، وصنع المعروف. لقد التفت المسلمون بمؤسساتهم الخيرية فبادروا إلى الدعم والتأييد والتضامن، وكثرت أعمال الخير الفردية، وإفطارات المساجد والمؤسسات والمنتديات، وسعوا إلى الاهتمام بالفقراء والمحتاجين والعجزة وكبار السنّ، والأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فكان رمضان حقًا منارة يرفعها المسلم، أو يرتفع إليها.
لذا، فإننا نشيد بمظاهر التضامن هذه، والمبادرات الخيِِّرة، وكذلك بالتضامن الوطنيّ بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن الواحد، ورعاية كلٍّ منهم مناسبة الآخر، في أبهى الصور للاحترام المتبادل”.
اضاف:”لقد كانت المناسبات المشتركة مفرحة وتستحق التنويه ليس أحلى من اللبنانيين عندما يعبرون عن مشاعرهم الحقيقية بدون مواربة أو تردد… إنّ أهمية رسالة شهر رمضان تكمن في صراحتها وصدقها، وتظهر في شموليتها. فالجانب الآخر أو الصفحة المقابلة من الرسالة، هو ذاك الوضع المأساويّ في قطاع غزة، حيث هلك ويهلك عشرات الآلاف بنيران العدو الصهيوني، الذي يهدم العمران، ويدمر البنيان، ويهين الإنسانية والإنسان”.
تابع:”لقد امتدّ عدوان الكيان الصهيوني إلى جنوب وعمق لبنان، وما زال القتل يفتك بهذه النّخب الشابّة، واستولى التهجير على أهلينا، وتجددت مأساة لبنان التي تكررت مرات عدة، قتلًا وتهجيرا ومصادرة للأراضي والديار… اللبنانيّون يعمّرون، والصهاينة يهدمون، حتى الصلاة في الأقصى وفي مسجد سيدنا إبراهيم بالخليل تقام تحت رقابة بوليسية صهيونية مشددة، والمستوطنون والمتشددون يقتحمون الأقصى ويعتدون على المصلين”.
واكد أنّ “العدوان الصهيوني المستمر على أرض فلسطين وجنوب لبنان وعمقه، هو الذي يحول دون إحلال السلام، ودون اطمئنان أهل الجنوب إلى سلامة عيشهم وحياتهم وممتلكاتهم، وزراعتهم وصناعتهم.
إنّ مصاب الفلسطينيين الجلل، ومصاب اللبنانيين كذلك، أظهره شهر رمضان جليًّا للعالم مع انطلاقة طوفان الأقصى، فأضحت قضية فلسطين قضية عالمية تؤرق ضمائر أحرار العالم ومؤسساته، إلى أن يكون هناك حلّ عادل ينجز الحقوق الوطنية لأهلنا في فلسطين ويضع نهاية للاحتلال الصهيوني الغاشم، ومذابحه التي لم يشهد التاريخ مثيلًا ببشاعتها ودمويتها.
نسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة للشهداء الأبرار , والشفاء العاجل للجرحى والإنقاذ للجوعى والمعذبين والثكالى في غزة وسائر فلسطين”.
وقال: “إنها مأساة العصر وجريمته الكبرى التي تقطّع القلوب وتقطع الأنفاس… إنّ ما يحدث في غزةً والجنوب اللبناني يثير مشاعر الغضب، ويبعث في النفوس نشوة الكرامة التي أثارها فينا أبطال غزة وفلسطين وجنوب لبنان”.
اضاف:”إنّ الأوضاع الصعبة التي يمر بها وطننا لبنان ليست بسبب حرب غزة فقط، بل هي تعود لسنوات خلت وسنوات. وكنا ننتظر من المسؤولين السياسيين ومن الاقتصاديين والقضاة والإداريين، كلّ في مجاله، أن يضع مسؤوليته نصب عينيه، كي لا يُعيَّر بالإهمال أًو الفساد، لكنّ الذي حدث من جانب هؤلاء جميعًا، وضع بلادنا على شفير الانهيار”.
واضاف: “لبنان – كما يعلم الجميع – بحاجة إلى إصلاح متكامل في الحياة السياسية والوطنية والمؤسساتية في الأداء… هناك فسحة أمل كبيرة في التوصل إلى حلول لأزماتنا، وفي مقدمتها أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، فانتخاب الرئيس هو المدماك الأساس لوضع لبنان على الطريق المستقيم، و الإقلاع عن الاستفزاز والاستنزاف هو واجب الجميع، لتحقيق ما نصبو إليه من انتخاب رئيس جامع، يحترم الدستور ويطبقه باحترافية، وينفذ اتفاق الطائف، وينقذ لبنان واللبنانيين مما هم فيه من معاناة”.
واشار الى انّ “الظواهر الإيجابية من مبادرات ومشاورات وطروحات التي نلمسها من بعض القوى السياسية، يعطينا أملًا وتفاؤلًا بأنّ الفرصة متاحة أمام اللبنانيين لانتخاب رئيس. وهذا يتطلب مزيدًا من الجهد والمساعي الخيّرة. فالتعقّل ليس ضعفًا، ولا استسلامًا، بل هو حكمة ووعي لحفظ كيان البلد، ولا يعني هذا أننا راضون عن تأخير الانتخاب، فالتأخير. أصبح عبئًا على الوطن والمواطن”.
وختم: “كل عام وانتم أيها المسلمون وأيها اللبنانيون بخير وأمن وأمان واستقرار في وطننا الحبيب لبنان”.
واعتذر المفتي دريان عن عدم تقبل التهاني بالعيد.