مَن المسؤول؟

يحق لكل مواطن حريص على “وطن” بكل معنى الكلمة، ويشبه أوطان العالم الأخرى كلّها، أن يطرح هذا السؤال، في دولة هي ذيل القائمة بين الدول الأكثر بؤساً في العالم، وتَجري إلى الحرب، وكأنّها تعيش على أكل الكمَثرى والفْريز، كما في مسرحيّة “كاسك يا وطن”. فهل نحن فعلاً أمام مشهد واقعي، أم حلقة رقص مجنونة، لا حدود لسورياليّتها وعبثها؟
مَن المسؤول عن مقتل باسكال سليمان؟ ليس الأحزاب قطعاً. وقد يكون البعض تسرّع وأطلق اتهامات سياسيّة، ثمّ تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فالجريمة – على الرغم من أنّ باسكال قيادي في حزب “القوات اللبنانية” – كانت بدافع السرقة. لكن ليس “نقطة على السطر”. فهناك الكثير من الكلام الذي يجب أن يُقال صدقاً، ومن دون مواربة، يتناول ما حدث ويحدث وسوف يحدث في لبنان. فمنذ توقيع اتفاق الطائف، تبيّن أن هناك من يأخذ منه ما يفيده، ويغتصب من الآخرين ما يفيدهم. وليس من أحد أعمى، ولا فاقداً للذاكرة، وجميع الناس شهدوا على ما جرى في عصر ما بعد الطائف، من تمييز بين السكّان، وأفضليّة طرف على طرف، إضافة إلى التهديدات المتواصلة، واستهداف سياسيين ينتمون إلى جهة معيّنة ومعروفة، وقتلهم بتفجيرات… والتخوين، والنفي، والسجن، ومنع المحاكمات – كما حدث في تفجير مرفأ بيروت. وما تزال جرائم موصوفة، مثل اغتيال الناشط لقمان سليم غير خاضعة لأيّ تحقيق، بل أُقفلت إضباراتها. والآن يذهب فريق إلى الحرب، غير مكترث بفريق آخر هو شريك له في الوطن. لا يسأله رأيه، ولا يطلب موافقته، ولا “يقْبضه” أو “يعبّره”، وذلك تحت مسميّات تتغيّر كل يوم، وصولاً إلى “المعركة الكبرى” المرفوضة من قبل ثلاثة أرباع الشعب اللبناني إن لم يكن أكثر. فأين هو الشعب الذي هو جزء من المعادلة الذهبية؟ وأين هو الجيش الذي لم يطلق طلقة واحدة؟ وأين هي شعارات مقدّسة: الميثاقية، الشراكة، التوافق، الحوار؟… وهي شعارات وردت مئات المرات على ألسنة بعض السياسيّين الذين يستخدمونها عندما تكون في صالح مشروعهم، ويرفضونها عندما تكون في مصلحة الفريق الآخر “الشريك” قولاً وحبراً على ورق فقط.
إن هذا الشعور لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، بأنّهم “قطيع”، ومفروض عليهم أن يتبعوا الأوامر، وأن يسلّموا بحتمية المعركة، ومن ثمّ الانتصار مهما كانت النتائج مدمّرة، هو شعور بالغبن، وقد شرذَم المجتع، فارتفعت أصوات تدعو إلى الطلاق، والتقسيم، إذا لا يمكن في رأيها العيش في ثقافتين، وفي صيف وشتاء على سطح واحد. بل إنّ مجموعة من اللبنانيين تتعرض للتشهير والسخرية والتهكّم، لأنها تبدي وجهة نظر مخالفة. ولم يسْلم من هذا السلوك الاحتقاريّ مقامات ورجال دين.
فمتى نستفيق على قيمة التواضع، والنزول عن الشجرة، ونتحلّى ببعض الذوق، لنسأل المشاركين في المائدة عن رأيهم في نوع الطعام الذي يتناولونه؟ فليس اللبنانيون “الآخرون” أبناء جارية، وليس من المنطق بأيّ شرع أن يقبلوا بتهديم بيوتهم، وتعطيل حياتهم، تخريب أرزاقهم، وتشريدهم، وتكليفهم بإعادة البناء، وهم ساكتون وصاغرون كتلاميذ تحت المسطرة، فالسكوت عن الحقّ جبانة وانتحار أخلاقيّ.
ج.د.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com