عندما شنّت “حماس” هجومها على غلاف قطاع غزة، سارع العديد من المحللين إلى اعتبار الهجوم “قوطبة” على مساعي التطبيع التي تبذلها واشنطن بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. لكن تبيّن أن الهجوم لم يؤد النتيجة المتوخاة منه على هذا الصعيد، بحسب ما ينقله مسؤولون على دراية بما يحدث خلف الكواليس.
وخلال جلسة نقاشية في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، في الرياض، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ العمل الثنائي السعودي الأميركي المرتبط بالتطبيع مع إسرائيل “من المحتمل أن يكون قريبًا جدًا من الاكتمال”. موضحاً أن الولايات المتحدة والسعودية قامتا بعمل مكثّف الشهر الماضي بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة.
هذا الكلام لم يكن سرّاً، بل سمعه الزعماء العرب، ومن بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي الذي تصرّ بلاده على أنها ستكون آخر دولة توقع السلام مع إسرائيل. والحقيقة أن لبنان هو الدولة العربية الوحيدة المكلفة بالقتال ضد إسرائيل، ولو أدى ذلك إلى دمار فوق دمار، وفي ظل أسوإ أزمة اقتصادية يمكن أن يمرّ فيها بلد. بينما هناك أمم أقوى بعشرات المرّات، وتملك جيوشاً هائلة، واقتصادات ضخمة، لا ترفع بندقيّة. وبعض هذه الدول “نفختنا” بالشعارات والبطولات، ومحاربة طواحين الهواء.
السعودية لم تعلّق رسمياً على كلام بلينكن، وهي تضع شرطاً للتطبيع: حلّ الدولتين. فهل طمْأن بلينكن نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بهذا الأمر؟ وهل وُضعت خطّة الدولة الفلسطينية على نار هادئة، بعد اقتناع دوليّ عارم بأنّ هذا الحل سيكون تطوّراً مهمّاً من أجل السلام الشامل والطمأنينة والازدهار؟
يبدو أنّ المسار الدبلوماسيّ الآن صحيح. وإن كان الأمير بن فرحان قد تجنّب الخوض في تفاصيل الكلام الذي صدر عن بلينكن. واكتفى بالقول إنّه من المتوقّع “في القريب العاجل” إبرام اتفاقات ثنائيّة بين المملكة والولايات المتّحدة، وقال: “معظم العمل تمّ إنجازه بالفعل. لدينا الخطوط العريضة لما نعتقد أنّه يجب أن يحدث على الجبهة الفلسطينيّة”.
هذا التصريح فيه تلميح إلى احتمال الوصول إلى حلّ ما، يتمنّاه كل عاقل، بعيداً عن الأوهام، بشرط أن يقترن بانتهاء الأعمال الحربيّة والعدائيّة، وإيجاد حلول عميقة لأزمات أخرى متراكمة، لعلّ أهمها البحث في مستقبل اللاجئين الفلسطينيّين، وحقّ عودتهم إلى وطنهم.
وسرّبت مصادر عليمة باجتماع بلينكن – بن فرحان، أنّ الوزير السعودي أعاد التأكيد على أنّ أيّ بحث في “تقارب” مع إسرائيل يرتبط بالدرجة الأولى بوقف إطلاق النار في غزّة، وموافقة تل أبيب على حل الدولتين.
وعاجلاً أم آجلاً سيقتنع الإسرائيليّون بأنّ هذا هو الحل الأنسب، فنتنياهو لن يحكم إلى الأبد، ولا بدّ من أن يكون هناك قادة يؤمنون بالسلام، وبأنّه لن يحل في المنطقة من دون وطن للفلسطينيين. وإذا ما حدث التطبيع مع السعودية، فإنّ كثيراً من المفات العالقة قد تأخذ طريقها إلى الحل، ومنها الحدود بين لبنان وإسرائيل، والقرار 1701… ما سينعكس إيجاباً على الواقع اللبناني التعيس، والمرتهن بربط الساحات والنزاعات والأزمات، فكأن لبنان هو الرجل المريض في غرفة العناية الفائقة، الذي يُجبر على النهوض من سريره لكي يدافع عن كثير من أترابه الأصحّاء.
ج.د