كلمة مدير التحرير/ د. جميل الدويهي
أين الوعود الطنانة التي سمعناها طويلاً، بأن أوروبا لن تقدم قرشاً واحداً إلى الجمهورية اللبنانية، إلا بعد معالجة مواضيع الفساد، والإصلاحات، وخطة إنقاذية مع صندوق النقد الدولي؟ وبعد أن فهمنا أن أوروبا غاضبة بسبب انتهاء التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، و، و…؟
فإذا بتلك الوعود تبخرت وانتهت بشحطة قلم، أمام مخاوف القارة العجوز من أزمة اللاجئين التي تهددها. وفي أوروبا من الأراضي الشاسعة التي تتسع لعشرة أضعاف اللاجئين الموجودين في لبنان، ومن غير أن يرفّ لها جفن.
مليار دولار من الاتحاد الأوربي، و150 مليون من هولندا… شحمة على فطيرة. بشرط أن يستمرّ لبنان في رعايته للاجئين ” والطبطبة” عليهم، وتدليلهم، ومنعهم من التوجه إلى قبرص، البوابة نحو أوروبا.
للأسف نحن في دولة لم تفعل شيئاً، سوى الخطابات والجعجعة من غير نفع، وعند القبض تسارع فاتحة يديها.وكان عليها منذ اليوم الأول أن تنشئ للاجئين مخيمات قرب الحدود مع بلادهم، كما فعلت تركيا والأردن، حفاظاً على سيادة البلاد، وتوازنها، ومستقبل أبنائها.والآن نسمع الضجيج والصخب، وننسب المشكلة إلى كل جهة، ما عدا فشلنا وتقاعسنا عن القيام بالواجب الذي كان ممكناً وسهلاً في حينه.
ومن البشاعة بمكان، أن نسمع من سياسيين ومحلّلين عن “رشوة”. وهذه اللفظة استُخدمت عشرات المرات، وفي الظرف الراهن، يحق للناس أن “يشيطنوا” كل شيء. وقد عجنوا الحكومات وخبزوها. وأكلوا من طحينها انهياراً اقتصادياً وسياسياً وقضائياً، وعلى كل الصعد، حتى انهارت الأخلاق، فكما تكونون يولّى عليكم. ولا أحد في لبنان يصدق أمراً إبجابياً، فلو قال قائل إن النفط الذي وُعدنا به قد طفا على سطح البحر، أو إن القاضي طارق البيطار قد عاد إلى مهمّاته، أو إن انتخاب رئيس للجمهورية سيجري قريباً، أو إنّ الأموال ستعود إلى المودعين، أو إن اللبنانيين سيخضعون لقانون واحد ومساواة في الحقوق والواجبات… كل ذلك يحكم عليه اللبنانيون بأنه أضغاث أحلام وأوهام.
لقد فقد الشعب الثقة بالسلطة وبذاته أيضاً. وهذا هو التدهور الحقيقي في أي وطن. لذلك انطفأت الثورة في الصدور، واستسلم السواد الأعظم، فما عاد يهمّه أيّ حدث أو كارثة. والذين يطالبون من هنا وهناك بتصويب الواقع ليسوا قلائل، لكن ما باليد حيلة، فكأنهم تائهون في برّية المعمدان.
من هو الرجل الزعيم الذي يصرخ في وجه الأوروبيين: لا نريد مالاً، بل نريد أن نطبّق القانون الدولي. وفي جميع الوثائق مكتوب: لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء. فيا أوروبا الحضارة والفهم، كيف يمكن الانقلاب على التاريخ والجغرافيا؟ ويا موفدي أوروبا، كيف تجرؤون أن تطلبوا من شعب منكوب أن يتحمل لجوءاً فوق لجوء، وقد صار عدد اللاجئين عندنا حوالي نصف السكان؟ ولماذا مكتوب على الوطن الصغير أن يقبل إضافة خمسين في المئة على عدد سكانه، ولا تقبل فرنسا مثلاً أن يضاف ثلاثة في المئة على عدد سكانها؟
عندنا زعماء لطفاء، مهذّبون، مطيعون، يستقبلون الموفدين والابتسامات طافحة على وجوههم. وهل هناك ترف أكثر من أن تكون في لبنان، المخلّع الذي نزلت عليه كل الأزمات، ودخل في كتاب غينيس كبلد وحيد في العالم لا رئيس له؟
اضحكوا تضحك منكم أوروبا، ومن تهذيبكم اللامعقول… تضحك منكم على راس السطح… وشرّ البليّة ما يضحك!
ج.د.