يتصرّف بعض المسؤولين الأوروبيين في لبنان، وكأنّه مستعمرة، أو بلد سائب. والهمّ الأكبر عند هؤلاء حالياً، هو منع اللاجئين السوريين من التدفق إلى أوروبا، وليست الزيارات المكوكية التي نشهدها في هذه الفترة، حبّاً للبنان، بل لأنه حاجة ملحّة لهم، فلو فتح لبنان باب الهجرة، لغادر معظم السوريين إلى المرافئ والمطارات الأوروبيّة، وبالطبع ستقوم فرنسا وألمانيا وقبرص وإيطاليا وأسبانيا… بإعادتهم لأنها – لا تستطيع أن تتحمل عدداً كبيراً من اللاجئين، قياساً إلى عدد شعوبها، أمّا لبنان فوحده يستطيع أن يتحمل نصف عدد سكانه، وبعد سنوات سيكونون أكثر من نصف العدد.
لبنان ليس كاليدونيا الجديدة، والعواطف المهترئة التي أبداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، كانت مهترئة فعلاً، إذ تبين أن أوروبا مستعدة لدفع أموال مقابل الحفاظ على مصالحها، فكلام الليل عن أنّها لن تدفع قرشاً حتى القيام بإصلاحات، ذر للرماد في العيون، وكذب مطلق.
وعندما أرسل ممثل مكتب المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، إيفو فرايسن، رسالة إلى وزارة الداخلية اللبنانية، كان واضحاً أن الرسالة لا تخصّ مصلحة
مصلحة اللاجئين، ولا اللبنانيين، بل وراءها أصابع أوروبية، فمن هو المستفيد من التدخّل السافر في شؤون لبنان إلى هذا الحدّ، وفي موضوع اللجوء تحديداً؟
وقد انبرى العديد من المسؤولين اللبنانيين لهذه الوقاحة، فوزير الخارجية عبدالله بو حبيب استدعى المسؤول الأممي إلى مكتبه، وطلب منه سحب الرسالة، ووزير الداخلية بسام مولوي شدد على تطبيق القانون. وارتفعت أصوات تطالب بطرد فرايسين. وفي الأيام القليلىة الماضية، كانت هناك ضغوط في مختلف المناطق اللبنانية لإخلاء اللاجئين الذين ليست لهم صفة شرعية، أو أوراق ثبوتية. وهذا حقّ سيادي. ودعت “القوات اللبنانية” إلى تنظيم احتجاج أمام مؤتمر بروكسيل للاجئين، الذي سيعقد في الشق الوزاري منه يوم السابع والعشرين من الشهر الجاري. كما يقف “التيار الوطني الحرّ” في طليعة المنادين بتنظيم وضعيّة اللاجئين، وإرجاع المخالفين منهم إلى بلدهم.
ولكي نكون صريحين، فإنّ القضية ليست محصورة بقضية اللجوء، بل تتعداها إلى مخالفات قانونية، لا تقبل بها أي دولة في العالم. ونحن نسأل فرايسين: ما رأيه في قضية ترحيل بريطانيا للاجئين إلى رواندا؟ وهل هذا عمل إنساني؟ وأين قصّر لبنان عندما استضاف اللاجئين لمدة 13 سنة، وهو يعاني من أسوإ أزمة اقتصادية في تاريخه؟
لقد وضعت بريطانيا خطة الترحيل منذ العام 2022، وتم تأجيلها بسبب تعقيدات قانونية.
وصرح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنه سيتم تطبيق هذه السياسة قريباً، إذ ستقلع الطائرات التي ستحمل طالبي اللجوء إلى رواندا بحلول شهر تموز المقبل.ووفقًا للاتفاقية بين بريطانيا ورواندا، والتي تمتد لخمسة أعوام، فإنه يمكن للمهاجرين البقاء في رواندا إذا ما وافقت السلطات على طلباتهم للجوء هناك. وفي حال الرفض، فإن المهاجرين يمكنهم التقدم بطلبات لجوء إلى رواندا على خلفية مختلفة أو اللجوء إلى بلدان أخرى. لكن لن يسمح لطالبي اللجوء الذين تم ترحيلهم إلى هذا البلد الأفريقي بالعودة إلى بريطانيا.
غريب صمت فرايسين عن هذه المسألة “الأوروبية”، كما عن إقفال اليونان وبلغاريا، ودول أخرى في أوروبا حدودها، وترك اللاجئين في العراء يعانون البرد والجوع وانعدام الرعاية الطبية، ولسنوات طويلة… إذ يجوز لأوروبا ما لا يجوز لغيرها.
إنّه الحق والباطل تحت سقف واحد. وازدواجية معايير فاضحة. وحقّ للبنان أن ينتفض على الإملاءات، ويتّخذ كل الإجراءات التي تحفظ سيادته وسلامة أراضيه، كما تفعل جميع الدول التي تحترم نفسها.
ج.د.