كان مفيداً أن يحمل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب معه إلى بروكسيل، تصريحات أدلى بها مواطن سوري، يعيش في أحد مخيمات اللجوء في شمال لبنان. وتلك التصريحات هي بمثابة فضيحة لأوروبا، فيما الشبهة على الأوروبيين تحوّلت إلى تهمة مباشرة منذ سنوات. فهم يعتبرون أنّ لبنان هو الواحة التي تحميهم من تدفق اللاجئين، ويريدون من الوطن المنهك والمغلوب على أمره، أن يبني سياجاً على طول حدوده ليمنع اللاجئين من التوجه إلى أوروبا.
يقول النازح السوري في لبنان: “أنا أحد السوريين الذين عَرضت عليهم المفوضية البقاء في لبنان وعدم السفر أو العودة إلى سوريا، لا بل قالوا لي ألاّ أتجول بأوراق ثبوتية، وأقول إن كلّ أوراقي قد احترقت في سوريا بسبب الحرب”.
وتابع: “وقالوا لي: لا تسجِّل أولادك في المحاكم الشرعية لكي يحصلوا في المستقبل على الجنسية اللبنانية، وفي المقابل سيُخصَّص لي مبلغ شهري من المال، وأنا مستعدّ أن أتحدث أمام الاعلام عن كل ما حصل معي في مقابلة الأمم في مركز رشيد كرامي في طرابلس. نعم هناك عملية توطين تجري، والشعــب اللبنانــي والدولــة اللبنانية لا يعلمون بها”.
لقد تسلّح الوزير عبدالله بو حبيب بموقف لبناني موحّد من قضية اللاجئين، بعد معاناة استمرت ثلاثة عشر عاماً. وتحدّث عن سوء الحال وعدم قدرة لبنان على تحمل المزيد من اللجوء. واتّهم مفوضية شؤون اللاجئين بأنها لا تقول الحقيقة، وتخفي الداتا، وتحابي الجمعيات، وأصبحت المفوضية نفسها جزءاً من المشكلة. لكنّ الوزير قصر عن اتهام المفوضية بأنها لم تعد مفوضية دولية، بل منحازة إلى أوروبا وتحميها من طوفان اللجوء على حساب لبنان.
وعلى الرغم من أنّ الوزير اللبناني طرح سلّة من الحلول المقترحة، فإنّ موقفه لم يتّسم بالقوة والصلابة، متسلّحاً بموقف لبناني شامل، سياسي وشعبي. وكان أجدر بالوزير أن يعمل بنصيحة السيد حسن نصرالله، ويعطي مهلة زمنية بفتح الحدود البحرية على مصراعيها، ورفض استقبال أيّ لاجئ مردود إلى لبنان، وإقفال المجال الجوّي أمام أي طائرة تحمل لاجئين عائدين بعد ترحيلهم. لكنّ السيد نصرالله ربط فتح الحدود بالحصول على مليارات بدلاً من مليار، في إشارة إلى الهبة الأوروبية الأخيرة التي قدمتها أوروبا لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأخذت جدلاً كبيراً. ودعا نصرالله إلى “قرار وطني يقول: فتحنا البحر، أيّها النازحون السوريون أيها الإخوة كل من يريد ان يُغادر إلى قبرص وأوروبا هذا البحر أمامكم فاتّخذوه سفنًا وأركبوه، كثير من هؤلاء النازحين يرغبون بالهجرة. وفي نهاية المطاف سوف يأتي الأوروبيون ويدفعون ليس فقط مليار يورو، بل 10 مليارات و20 ملياراً و30 ملياراً”
في رأينا أن المال ليس بيت القصيد، فالسيادة والاستقرار والأمان هي الأساس، وعليها تُبنى المواقف.
وإذا استمرت المماطلة والمراعاة والتخوّف، فإن أزمة اللاجئين ستتفاقم وتمتد إلى ثلاث عشرة سنة قادمة، وربما أكثر. وإذا كان مؤتمر بروكسيل لا يقدم ولا يؤخر، وسيظل عبء اللجوء على عاتق لبنان، فليس لديه سوى حل واحد: فتح الحدود البحرية من دون حسيب ولا رقيب، ولتشرب أوروبا البحر المتوسّط كله لمنع اللاجئين من الوصول إليها، بدلاً من الاتكال على بلد صغير لا قائمة له تقوم، من أجل الدفاع عن مصالحها وتركيبتها الديموغرافية.
ج.د.