شكلت زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى أستراليا، نقلة نوعية في العلاقات التي كانت متردية بين البلدين منذ أكثر من 5 أعوام. وأسباب التوتر تعود إلى رفض الحكومة الأحرارية السابقة شبكة هواوي الصينية، ومن ثم مطالبة رئيس الوزراء الأسترالي السابق سكوت موريسون بتحقيق دولي في منشإ فيروس كورونا.
ولم يكن ما حدث بين أستراليا والصين عاديّا، وخصوصاً أنهما في منطقة واحدة، وتتمتعان بنفوذ كبير، وتربطهما علاقات اقتصادية وتجارية مهمة، فالصين هي أكبر مستورد للسلع الأسترالية، وعندما فرضت بكين قيوداً على منتجات أسترالية، انتقاماًُ، خسر المزارعون الأستراليون أموالاً باهظة.
كان لا بدّ من رأب الصدع مهما طال الزمن، فالأمور لا يمكنها أن تستمر كما كانت في السنوات العجاف الماضية. وعندما تسلّم حزب العمال الحكم في أستراليا، بدأت المياه تعود إلى مجاريها. وبدأنا نشعر بتحسن العلاقات رويداً رويداً، حتى كانت زيارة تشيانغ إلى أستراليا ونيوزيلاندا وماليزيا. فالصين لا يمكنها أن تبقى في عزلة خانقة عن محيطها القريب، وهــي تــعــاني من مشكلات مع جاراتها في بحر الصين الجنوبي. ونحن لا نقول إن بكين تراجعت عن سياساتها في المنطقة، لكنها شعرت بأن الانفتاح أفضل بكثير من الانغلاق. ويبدو أن كانبرا هي الحصان الذي يمكن أن تستخدمه القيادة الصينية لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلى بعض المرونة والدفء.
ويرى محللون أن الإدارة الصينية وجدت نفسها في مواجهة حادة مع الولايات المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلاندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وفيتنام… وتكاد الأمور تتطور إلى حرب باردة في المحيطين الهندي والهادئ، كما هناك ضغط على الصين من ناحية موقفها المؤيد لروسيا في غزوها لأوكرانيا، بينما تحاول القيادة الشيوعية في بكين الظهور بمظهر المحايد في تلك الحرب الضروس. وتستغل واشنطن “التورط” الصيني في بحر الصين الجنوبي، ودعم كوريا الشمالية، والتحالف مع روسيا، والتحرش بتايوان، ومناهضة الحرب الإسرائيلية على غزة، واتهام الصين بأنها شنت هجمات إلكترونية على أستراليا ونيوزيلاندا، اعتقال مواطنين أستراليين بتهمة التجسس… كل ذلك لتؤلب المجتمع الدولي، وتفرض معادلات وأحلافاً جديدة لمواجهة التنين الآتي من الشرق.
وليس المهم بالنسبة للصين إعادة العلاقات التجارية مع كانبرا، ومكافأة هذه الأخيرة على مرونتها، ولا إعفاء الأستراليين من التأشيرات… فهذا ليس بيت القصيد، بل الأهم هو مد جسور جديدة تجاه الدول التي كانت تتخذ موقف الحذر والعداء والمعاندة. وإن أستراليا في وضعها الحالي كحليفة للولايات المتحدة الأميركية، وتتماهى معها في أغلب الأحوالـ، يمكنها أن تمسك بالعصا من الوسط، فتستفيد من الانفتاح على الصين، من غير أن تخرب علاقاتها مع واشنطن. وهذه الأخيرة تسعى إلى تقليم أظافر غريمتها الشيوعية في المنطقة، ليس عسكرياً وسياسياً فقط، بل على المستوى الاقتصادي، باعتبار أن الصين هي أقوى منافس للولايات المتحدة على الإطلاق.
لقد بدأت مسيرة الألف ميل، ولا ينبغي التراجع، أو إعادة عقارب الخلاف بين الجيران إلى الوراء. وأستراليا هي المستفيدة.
ج.د.