سياسة أم ضرب بالرمل؟

ما نشهده في التحولات السياسية، سواء في لبنان، أو في المنطقة، يدفعنا إلى الحيرة في معنى الالتزام، والسؤال: هل السياسة هي موقف ثابت، أم تتغير باستمرار، وتحتاج إلى تبصير وضرب بالرمل لمعرفة ما ستؤول إليه كلّ يوم؟
التحالفات اللبنانية غريبة: تقارب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، عبر ورقة اتفاق، ثم انفراط العقد. تحالف بين “التيار” وحركة أمل، ثمّ افتراق وتهجم لفظي، ثم التقاء من جديد… تحالفات 14 آذار المجيدة التي تحولت إلى عقد منفرط، وأيادي سبأ. تحالف التيار – المردة الذي سقط بالضربة القاضية وتحول إلى سجال، واختلاف عميق في موضوع الرئاسة. وكذلك العلاقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وبين الحريري وحزب الله…
وفي العالم العربي لا ثبات على شيء، فإيران التي كانت “راعية للإرهاب”، و”تتدخل في شؤون الدول العربية”، أصبحت الحمل الوديع. وتتسارع الدول العربية الى تطبيع العلاقات معها. ونظام الرئيس بشار الأسد الذي كان عرضة لأبشع أنواع المقاطعة، عاد إلى الجامعة العربية من الباب الواسع وكأن شيئاً لم يكن.
ولا تشذّ تركيا عن القاعدة، فقد تبين أنها ليست ثابتة في تعاطيها مع الرئيس بشار الأسد، ومع المعارضة التي دعمتها أيضاً. ولا يُستبعد أن تدعو تركيا تلك المعارضة إلى تسليم سلاحها، ضمن تسوية مع النظام السوري، فكأنّ كل ما قيل في الماضي، وما وثقته وسائل الإعلام بالحرف والكلمة، لم يكن إلا حبراً على ورق.
هذا غيض من فيض التحولات الغريبة والعجيبة في المنطقة، حتى أن حماس نفسها التي طُردت من سوريا لتأييدها الحراك الشعبي ضد الأسد، أصبحت الآن حليفة معه، وعضواً فاعلاً في الممانعة، والمقاومة، ووحدة الساحات. وحزب الله الذي صنّفته الجامعة العربية كمنظمة إرهابية، نفض عنه غبار الإدانة الجماعية، وسبحان مغيّر الأحوال.
البعض يقول إن تداعيات 7 تشرين الأول، ومن ثم الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، قد أثرا على قواعد اللعبة، وحركة الاشتباكات المتنقلة، والاستراتيجيات المبنية أساساً على رمل. فكيف جرت تسوية كبرى ووساطات دبلوماسية؟ ومن هم أطرافها؟ وكيف صار الشتاء صيفاً؟ وكيف يتحول أعداء حزب الله في الداخل اللبناني إلى حلفاء له، يصولون ويجولون في سيارات مسلحة، داخل مناطق نفوذه؟
تلفت المصادر إلى أن التقارب الإيراني ـ المصري، والتقارب السوري ـ المصري، والسعودي ـ السوري، والإماراتي – السوري، والإيراني ـ السعودي، كان لها الدور الأساسي في تغيير المشهدية من حال إلى حال.
وعلى القيادات اللبنانية أن تعيد قراءة المستجدات، وإذا كانت غير مدعوة إلى التخلي عن استراتيجياتها الثابتة، فعليها على الأقل أن تستلهم الدروس والعبر. ومن الطبيعي انتظار ما سيحدث في غزة قبل منتصف هذا الشهر، وما قد يطرأ على الجنوب، لاتخاذ القرارات المناسبة. وقد سارع وليد جنبلاط إلى إعادة تموضعه، وأعاد النائب جبران باسيل عقارب الساعة إلى الوراء، بعد أن كان رأس حربة في معارضة الحرب التي تورّط لبنان فيها، من قبَل طرف لم يتشاور مع الآخرين، ولم يسألهم رأيهم. وعاد باسيل إلى معزوفة حماية المقاومة.
مفهوم غضب قيادات لبنانية من التغييرات الأخيرة والمتلاحقة، في لبنان والمنطقة، لكن عليهم أيضاً أن يعلموا، أنّ الحافلة تسير في اتجاهات متعددة، وفي وقت واحد، والسائق نفسه لا يعلم إلى أين يقود، فالرحلة كلها غير آمنة، وتستوجب الحذر.
ج.د.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com