تهديد إرهابيّ؟

تهديد إرهابيّ – كلمة مدير التحرير

مهما حاول رئيس الوزراء الفيدراليّ أنتوني ألبانيزي، ومعه المدير العام للمخابرات (أزيو) مايك بيرجيس، التخفيف من حدّة الإجراء الذي اتخذته أستراليا، برفع مستوى التهديد الإرهابي إلى محتمل، فإن شيئاً ما يختبئ خلف السطور، وربما تكون هناك معلومات استخباراتية خارجية، حول تهديد إرهابي غير وشيك بالطبع، بحسب ما أدلى به ألبانيزي.
اللافت في تصريحات ألبانيزي وبيرجيس أن التركيز انصب على ما وُصف بأنه مزيج من الإيديولوجيات، وكأنّ أستراليات وأمنها واستقرارها ليست قضايا أيديولوجية، بل الانتماء إلى الخارج هو الاساس، وأستراليا في المحلّ الثاني. وهذا أمر مروّع في نظر جميع الأستراليين الذين يُخلصون لهذه البلاد، وينظرون إليها كأولوية، على الرغم من التزامهم الطبيعي، وبحكم الولادة والنشأة، لبلدان أخرى.
الأمر اللافت الثاني هو تفنيد المسؤولَين الفيدراليَّين لثمانية حوادث، وقعت في الأشهر الأربعة الأخيرة، هي مؤشّرات على تنامي العنف في المجتمع، والجنوح إلى التعبير عن المواقف بطرق غير قانونية.
وفي ستّ من الحالات الثماني، لم يكن الأفراد المتورّطون معروفين من قبل السلطات. إذن نحن نتحدث هنا عن حالات جديدة، طفت على السطح، مرتكبوها لا تاريخ لهم في الجريمة، ومن الصعب تحديد مآربهم ومخططاتهم قبل تنفيذها.
وخمسة منها كان مرتكبوها قاصرين أو من الشبّان، أكبرهم كان عمره 21 عاماً وأصغرهم كان عمره 14 عاماً.
وأخطر الحوادث الثماني طبعاً كانت حادثة القتل الجماعيّ في بونداي جانكشن، يوم 13 نيسان الماضي، حيث قام جوال كوتشي (40 عاماً) بقتل ستة أشخاص وجرح اثني عشر آخرين، طعناً بسكين، وحادثة الاعتداء على رجل دين مسيحي في واكلي بغرب سيدني يوم 15 نيسان 2024، على يد مراهق في السادسة عشرة من عمره.
القاسم المشترك بين ستّة من تلك الاعتداءات وقعت بدوافع دينية أو قومية أو عنصرية.
وما نراه كل يوم في الشوارع، وعلى محطات القطار، وفي المحالّ التجارية من علامات التفرقة في المجتمع أكبر دليل على انقسام حادّ في المجتمع، فهناك تصرّفات اضطهادية حيال كلّ من يوافق على هذا الرأي أو ذاك، أو حتّى الذين لا ناقة لهم ولا جمل، فهؤلاء أيضاً يتعرضون للمقاطعة الاستهجان. وما حدث في متجر “أوفيس ووركس” في ملبورن، حيث رفضت موظّفة تقديم خدمة لمواطن أسترالي مثلها، إشارة حمراء إلى على أنّ هناك من يتجاوز أستراليّته، ومواطنته، وواجباته الإنسانية، إلى تصفية حسابات خارجية، وهنا بيت الداء.
ويلاحظ من كلام بيرجيس أنّ النظرة الدينية اختلطت بالنظرة القوميّة، فلم يعد شيء يفصل بيهما، وهذا الاختلاط يصفه بغير المنطقيّ. وعلى الطرف الآخر هناك النازيّون الجدد الذين ينادون بترحيل المهاجرين فوراً، من غير ذنب، وبعض هؤلاء المهاجرين، بل أغلبهم قدّموا لأستراليا خدمات جليلة وساهموا في نهضتها وازدهارها، علماً أنّ جميع سكّان أستراليا مهاجرون، ما عدا السكّان الأصليّين.
ووفّرت وسائل التواصل الاجتماعي، والضخّ التفريقي فيها، فرصة للتفرقة، ودفع المجتمع إلى ما وصفه بيرجيس بحفرة الكراهية. كما كشف عن قناة تسمّى “تيرورغرام” تعلّم الشبان كيف يرتكبون هجمات إرهابية.
من الطبيعي أن ترفع الحكومة درجة التحذير من عمل إرهابيّ، على الرغم من تأكيداتها بأن ليس من تهديد مباشر الآن. ولو أنّ كل إنسان اعتبر أنّ أستراليا التي احتضنته، ووفّرت له الضمانات التي كان يفتقر إليها في بلاده، هي الأولويّة في إخلاصه لها، مع احتفاظه بحقه في التعبير السلمي عن آرائه، لما كان مطلوباً أن يقف زعيم دولة كبيرة، ليرفع درجة التأهّب، وعلى وجهه قلق من احتمال الوقوع في المحظور، وهو آخر ما تفكر به دولة فتحت يديها وقلبها لملايين الناس من جميع الأمم. وغالبيّتهم الساحقة جاؤوا إليها شبه لاجئين، وهاربين من الأوضاع في بلدانهم الأصلية.
ج.د.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com