القيصر المضطرب

قرأت مقالاً للصحفيّ سيمون أبو فاضل، يتحدّث فيه عن أوهام الانتصار لدى محور الممانعة في المنطقة. ويركز الكاتب على تطور العلاقات الإيرانية السعودية التي لم يحسن أطراف الممانعة، في لبنان تحديداً قراءتها، وما زالوا مسحورين بفكرة فائض القوة، على الرغم من عدم قدرتهم على فرض رئيس للجمهورية كما كان يحدث في كلّ مرة.
منذ ثورة 17 تشرين 2019، وبعدها تفجير مرفأ بيروت المشؤوم، تحولت مزاجية الشعب اللبناني إلى اتجاه آخر، فليس من الضرورة أن يكون جميع اللبنانيين مع “القوات اللبنانية” أو مع “الكتائب” أو مع تيار “المستقبل” أو “الاشتراكي”، لكن حتى المستقلّين منهم والذين لم يكونوا قادرين على التعبير عن رفضهم للواقع، بدأوا يشعرون بحرية أكثر في إبداء رفضهم للهيمنة والفرض والإجبار.
وما لم يقله أبو فاضل، هو التحول في روسيا، الحليفة الأقوى لمحور الممانعة، فمنذ بدء الهجوم الروسي على الدولة الجارة أوكرانيا، كان بوتين يأمل في اجتياح كييف، في غضون ساعات، وتغيير النظام الذي وصفه بالفاشي، وتعيين حكومـة موالية له في أوكرانيا. غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي إرادة الكرملين، وقد تطول الحرب أكثر من عمر الإنسان، ولا تزول “الفاشية” من أوكرانيا، هذا على الرغم من أن بوتين “غير الفاشي”، قد يحكم مئتي سنة، ولا يرى انتصاراً، بل يرى أزمة عالمية اختلقها وصورها للشعب الروسي على أنها أم المعارك، فإذا هي أم الهزائم، ولم يجن منها الشعب الروسي والعالم كله سوى التردي الاقتصادي وغلاء الأسعار، وضائقة معيشية خانقة. وللمرة الأولى يجاهر أنصار بوتين بالإعراب عن رفضهم لخطته العسكرية الفاشلة، فيما انشق بريغوجين عليه وكاد يلتهم موسكو، وسط تقارير غير مؤكدة تحدثت عن أن بوتين غادر موسكو فعلاً إلى سان بطرسبورغ، خوفاً من انقلاب ضده. ويقول دبلوماسي روسي سابق انشق عن منصبه في الأمم المتحدة عام 2022 إن الدائرة المقربة من فلاديمير بوتين تتقلص، وإن معظم الناس داخل الكرملين لا يؤيدون الحرب ضد أوكرانيا.
ويقول بوريس بونداريف “إن مسيرة فاغنر إلى موسكو، كشفت ضعف فلاديمير بوتين، وأن غالبية الناس في الكرملين، في جميع الهياكل الحكومية، غير راضين جدًا عن هذه الحرب…”
وبونداريف هو أول دبلوماسي روسي يستقيل سبب غزو بوتين لأوكرانيا.
وأدان الحرب ووصفها بأنها عدوانية، ووصف روسيا بأنها دولة فاشية. وقال بونداريف إن إدارة بوتين لقوات الدفاع الروسية وأسلوبه الديكتاتوري في القيادة أضعفا القوات الموجودة على الأرض.
وقال: “لقد علّمَ الرئيس بوتين طوال عقدين على الأقل جيشه وجنرالاته ومرؤوسيه وموظفيه أنهم فقط يطيعون ويفعلون ما يأمرهم بفعله. لا مبادرة ولا قرار من تفكيرهم”.
وطبعاً في لغة بوتين، فإن أوكرانيا هي الفاشية، وفلاديمير زيلنسكي هو الديكتاتور، علماً أن أسطوانة بوتين – ميدفييف، وميدفييف – بوتين، أصبحت مادة للسخرية.
وكم نرجو من القيمين على الأمور في لبنان، أن لا يقصروا أنظارهم على العلاقات الإيرانية السعودية، وما يجب أن ينتج عنها من رضوخ الفريق الآخر لهم، وأن ينظروا نحو أوروبا، ويحللوا أزمة القيصر المضطرب، فلعل تلك النظرة الموضوعية تفرج عن رئيس لن يكون هو أيضاً ديكتاتورياً ولا فاشياً، بأي حال من الأحوال.
ج.د

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com