جريمة القرنة السوداء

بدم بارد، يجري اغتيال شابّين، من خيرة شباب مدينة بشرّي، في زمن الفوضى، وانعدام الأمن والسلطة، وأصبح المواطن يشعر بأنه يعيش في الغرب الأميركي، حيث يحصّل كل واحد حقّه بيديه.
كان يمكن تفادي هذه المأساة بالحوار، والرعاية، والجيرة، ولو أنّ الدولة لجأت إلى وضع خارطة للمنطقة التي حدثت فيها الجريمة، تفادياً لأيّ صدامات.
وبدلاً من أن يعلن الجيش أن المنطقة عسكرية، ويحظر الدخول إليها، كان يمكن اتّخاذ إجراءات أكثر قانونيّة. والجيش لديه القدرة، أكثر من أيّ طرف آخر، على مسح الأراضي، وتحديد الخرائط. وهو ما فعله أثناء المسح في الجنوب اللبنانيّ، وفي مناطق أخرى.
ونحن نعرف أن كثيراً من العقارات في لبنان غير ممسوحة، منذ عهد المتصرّفيّة، مروراً بالانتداب الفرنسي. وهذا الأخير وضع خرائط في مناطق، وانسحب من لبنان قبل أن ينجز المهمّة بأكملها. لذلك تقع خلافات في لاسا، والقرنة السوداء، وأماكن أخرى… ويبقى القرار معلّقاً بانتظار الملائكة.

ولا يختلف اثنان على أن التقصير هو من الدولة اللبنانية، المقصّرة في كل ملف. وترى هذه الدولة بكل إداراتها وقطاعاتها، كيف يتم الاستيلاء على المشاعات، والأملاك العامة، في ظاهرة لا تحدث في أي بلد آخر. وهل لبنان سوى بلد العجائب والغرائب، وكل ما يحدث فيه فانتازيا من الحلم والخيال؟
والذي يسترعي الانتباه والدهشة، هو كيف أن الجيش أعلن منطقة القرنة السوداء منطقة عسكرية، منذ أعوام، في الوقت نفسه يسمح لمجموعة من المسلّحين بدخولها، وتنفيذ عملية قتل للشابّ هيثم طوق، ثم يستتبع الحادث بإطلاق النار على الشابّ مالك طوق، ليزيد من تعميق الجراح، والأحزان؟
والمنقذ من كل هذه الحالة الدموية الأليمة، هو وعي الأهالي من الجانبين، وتحكيم العقل والمنطق والجيرة، فأيّ بقعة أرض لا تساوي قطرة دم واحدة، وأيّ جبل أو واد أو بحر محيط، ليست أهم من روح تزهق، وترتقي إلى الشهادة برصاص الغدر.
ويُنتظر أيضاً من السلطات اللبنانية التي تتولى ملف الجريمة المزدوجة، أن تبدي، ولو مرة واحدة، جانب الشفافيّة، وتضرب بيد من حديد أي مسؤول عن الحادثة الأليمة، فلا تبويس اللحى، ولا المراضاة وتطييب الخواطر، هي الحلّ، فلتعلن السلطات القضائية جهاراً نهاراً أسماء المتورّطين، وتحيلهم إلى المحاكمة والعقاب العادل، قبل أن تفلت الأمور من يدها، وتدخل المنطقة في معمعة لا نهاية لها. وإذا كانت المماطلة هي الوسيلة المتبعة في التعامل مع الملفّات، من الإصلاح، إلى محاربة الفساد، إلى الاتفاق مع صندوق النقد، وتحقيقات المرفإ … و…، ففي هذه الواقعة – الجريمة، لا تجوز الميوعة تحت أي ظرف أو تبرير. ولن تهدأ نفوس المكلومين، قبل أن يصلوا إلى إحقاق الحق، وتثبيت العدل الذي هو أساس الملك، ليس في عيون أهل الأرض فقط، بل في عيون أهل السماء أيضاً… وللتذكير فقط: ليبقَ الجار قبل الدار، ولتبق المحبّة عنوان أهل الوطن.
ج.د.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com